بعد مُضيّ نحو عامين من المواجهات القضائية في إسبانيا بين انفصاليّي كتالونيا والسلطات المركزية في مدريد، أدانت «المحكمة العليا» الإسبانية 12 سياسياً وناشطاً كتالونياً لتورّطهم في محاولة الانفصال والاستفتاء على الاستقلال عن البلاد الذي نُظِّم في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2017. وفي حكم يعيد ملفّ الإقليم إلى صلب النقاش السياسي قبل أقل من شهر على الانتخابات التشريعية (المقررة في العاشر من الشهر المقبل)، قضت المحكمة أمس بسجن تسعة من القادة الانفصاليين، بينما أدانت ثلاثة آخرين بالعصيان من دون أن تسجنهم.في أعقاب الحكم، خرجت تظاهرات قادتها الجماعات المؤيدة للاستقلال للتنديد بقرار «العليا» في قضية الزعماء الانفصاليين، وتخلّلت الاحتجاجات اشتباكات وقعت في مطار برشلونة بين عناصر الشرطة الإقليمية وأنصار الاستقلال، بعدما اقتحم آلاف المحتجين حرم المطار، وقطع آخرون الطرق الرئيسية في العاصمة. وغابت عن المحاكمة التي بدأت في شباط/ فبراير الماضي الشخصيّة الرئيسية في محاولة الانفصال الفاشلة عام 2017، أي الرئيس الكتالوني السابق كارليس بوتشيمون، الذي فرَّ إلى بلجيكا لتفادي ملاحقته قضائياً، علماً بأن إسبانيا لا تحاكم غيابياً المتّهمين بجنح خطيرة. غيابٌ أصدر القضاء الإسباني على إثره مذكرة توقيف أوروبية ودولية جديدة بحقّ الزعيم الفارّ بتهمتَي «العصيان واختلاس المال العام»، بعدما تعذّرت ملاحقته بتهمة التمرُّد لاستحالة تطبيقها عند الشركاء الأوروبيين.
غابت عن المحاكمة الشخصيّة الرئيسية في محاولة الانفصال الفاشلة عام 2017


وفي حكم يُهدّد بعودة التوتّر إلى المنطقة التي تشهد اضطرابات على خلفية المطالبة بالاستقلال منذ عقد، نال نائب الرئيس الكتالوني السابق، أوريول خونكيراس، أعلى حكم بالسجن بين الاثني عشر، إذ قرّرت أعلى سلطة قضائية في البلاد سجنه 13 عاماً بتهم العصيان واختلاس المال العام. وخونكيراس، وهو أبرز المتهمين في ظلّ غياب بوتشيمون، قال في رسالة إلى أنصاره إن «القصة» لم تنتهِ بعد، مضيفاً: «نقول لمن يريد فقط إلحاق الأذى، لم تفوزوا... سنعود أقوى وسننتصر». أما بوتشيمون، فندّد بحكم سجن القادة الانفصاليين، واصفاً إياه بـ«العمل الشائن». وكتب في تغريدة: «الأحكام جميعها تساوي 100 عام في السجن... حان وقت الرد كما لم نفعل أبداً من أجل مستقبل أولادنا ومن أجل الديموقراطية وأوروبا وكتالونيا».
وحُكم على ثمانية آخرين بالسجن بين تسعة و12 عاماً بتهم العصيان، فيما أدين بعضهم بتهمة اختلاس المال العام، ومن بينهم الرئيسة السابقة للبرلمان الكتالوني، كارمي فوركاديل، التي حُكم عليها بـ11 عاماً ونصف عام، ورئيسا منظمتي «التجمع الوطني الكتالوني» و«أومنيوم كولتورال» الانفصاليتين النافذتين، جوردي سانشيز، وجوردي كويكسار (تسعة أعوام)، وخمسة وزراء محليين سابقين (بين 10.5 سنوات، و12 سنة). كما حكم على ثلاثة أعضاء آخرين سابقين في الحكومة الكتالونية، هم قيد إطلاق سراح مشروط، بدفع غرامات لإدانتهم بتهمة العصيان.
وسبق أن أعلن القادة الانفصاليون في 27/10/2017 استقلال كتالونيا، لكن ذلك لم يدخل حيّز التنفيذ. وتسبّبت محاولة الانفصال التي أقرّها البرلمان المحلي في أسوأ أزمة سياسية عرفتها البلاد منذ نهاية حقبة فرانكو عام 1975. وتسعى الحكومة المركزية إلى أن يؤدي الحكم إلى استئناف الحوار السياسي في المنطقة التي يبلغ عدد سكانها 7.5 ملايين نسمة، إذ دعا رئيس الوزراء، بيدرو سانشيز، إلى «مرحلة جديدة» في كتالونيا قائمة على «الحوار»، مضيفاً في خطاب أمس أن «لا أحد فوق القانون»، وأنه «لم يحاكَم أحد بسبب أفكاره».