لم تهدأ الاحتجاجات في هونغ كونغ بعد مرور أكثر من شهرين على بدئها، بل اتخذت طابعاً ارتجالياً وصل إلى حدّ الفوضى، بعدما شلّت التجمعات، على مدى اليومين الماضيين، المطار الدولي في المدينة. يلاحَظ عموماً اتساع نطاق التظاهرات التي انطلقت على خلفية مشروع قانون يتيح لسلطات الإقليم تسليم مشتبه فيهم إلى الصين، ما لبث أن اختفى من المشهد بعد قرار تعليقه، بيدَ أن مطالبها لا تزال غير محدّدة، وإن كان القلق من السطوة الصينية المتزايدة يشكّل أساساً ومنطلقاً لاستمرارها.وفي ما يمكن اعتباره السقطة الثانية بعد اقتحام برلمان الإقليم بداية تموز/ يوليو الماضي، شلّت تجمعات حاشدة، على مدى اليومين الماضيين، المطار الدولي في المدينة، حين اعتصم نحو 1500 متظاهر في قاعتَي الوصول والمغادرة، ما أدى إلى إلغاء أكثر من مئتي رحلة. وقبل مغادرتهم صباح يوم أمس حرم المطار، كانت مجموعة من المتظاهرين قامت، مساء أول من أمس، بربط رجل بواحدة من عربات الأمتعة، وبضربه، بعدما اشتبهوا في أنه «جاسوس» لحساب بكين، قبل أن يتبيّن أنه صحافي يعمل لحساب «غلوبال تايمز» الرسمية الناطقة بالإنكليزية. وفي حادث آخر، هاجم متظاهرون رجلاً آخر اعتبروه شرطياً مندسّاً بينهم. وغداة تعرّض اثنين من مواطنيها للضرب في المطار، دانت بكين، على لسان الناطق باسم مكتب شؤون هونغ كونغ وماكاو، تشو لوينغ، ما أقدم عليه هؤلاء بصفته «أفعالاً شبه إرهابية». وفي هذا الإطار، جدّدت الرئيسة التنفيذية في هونغ كونغ، كاري لام، تحذيرها من العواقب التي ستترتب على الإقليم، مشيرةً، في مؤتمر صحافي، إلى أن «العنف سيدفع هونغ كونغ إلى طريق اللاعودة».
شلّت تجمعات حاشدة، على مدى اليومين الماضيين، المطار الدولي في هونغ كونغ


وبينما كان بعض المحتجين في المطار يرفعون العلم الأميركي، وهو ما دأبوا على فعله منذ بدء الاحتجاجات، لا تزال إدارة دونالد ترامب تبدي حذراً في موقفها المُعلَن من الأزمة في هونغ كونغ، على رغم أنها تخوض، منذ أشهر، مواجهة مباشرة مع الصين في مجال التجارة ومنافسة دبلوماسية عسكرية معها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وفي هذا السياق، يواجه الرئيس الأميركي انتقادات من حزبه ومن خصومه، بسبب تجنّبه انتقاد بكين في إطار هذه الأزمة. وأشار ترامب نفسه في تغريدة إلى أن كثراً يتهمونه بالمسؤولية عن «المشاكل الحالية في هونغ كونغ»، متسائلاً عن السبب.
ورأى السناتور الجمهوري ريك سكوت أن «الولايات المتحدة، وكل الأمم المحبة للحرية حول العالم، عليها أن تستعدّ للتصرف سريعاً دفاعاً عن الحرية إذا انخرطت الصين في تصعيد النزاع في هونغ كونغ». واعتبر السناتور الجمهوري، ليندزي غراهام، من جهته، أن أزمة الإقليم «لحظة حاسمة بالنسبة إلى العلاقات الأميركية ـــــ الصينية»، مؤكداً أنه «بعد 30 عاماً على أحداث ساحة تيان انمين، كل الأميركيين يدعمون المتظاهرين السلميين في هونغ كونغ». وهاجم الديموقراطيون من جهتهم ترامب، إذ قال النائب جيم ماك غوفرن إن الرئيس يستخدم لغة «خطرة» قد «تؤدّي إلى سوء تقدير»، معتبراً أن عليه «تحذير بكين من عواقب وخيمة إذا قامت بقمع التظاهرات السلمية». ورأى السناتور الديموقراطي، كريس مورفي، بدوره، أن دعم الولايات المتحدة للديموقراطية في دول أخرى لطالما كان شديد الأهمية: «من الصعب رؤية (المتظاهرين) يخاطرون بكل شيء للمطالبة بما يعدّ قيماً أميركية، فيما الولايات المتحدة صامتة».
واستناداً إلى معلومات استخبارية أميركية، أكد الرئيس الأميركي، أول من أمس، أن الجيش الصيني ينتشر «على الحدود مع هونغ كونغ»، لكنه جدّد دعواته «للجميع» إلى التزام «الهدوء والأمن»، قائلاً: «آمل أن يكون هناك حل سلمي» وألا «يقتل أحد». ويوم أمس، نقلت وكالة «فرانس برس» عن ناطق باسم الخارجية الأميركية قوله إن «الولايات المتحدة تشعر بالقلق الشديد من تحركات الصين العسكرية على الحدود مع هونغ كونغ... وتدعو بكين بقوّة إلى احترام التزاماتها في الإعلان الصيني البريطاني المشترك للسماح لهونغ كونغ بممارسة أعلى درجات الحكم الذاتي».