طهران | على مدى الشهرين الأخيرين، برزت مؤشرات جادة على استقرار الاقتصاد الإيراني. فقد بدأ سعر صرف الدولار الأميركي ينحو منحى نزولياً أمام الريال الإيراني، بعدما تخطّى العام الماضي أربعة أضعاف. أما معدّل التضخم، وعلى الرغم من تجاوزه نسبة الـ40%، فإنه انخفض خلال الشهرين الأخيرين. كذلك فإن مؤشرات بورصة الأوراق المالية في طهران، التي تضمّ مصانع الإنتاج، إيجابية، واستقطبت العديد من المستثمرين الإيرانيين. وتفيد الأرقام والإحصاءات بأن الذين استثمروا خلال الأشهر الخمسة الأخيرة في بورصة طهران حققوا أرباحاً بلغت 40% في المتوسط. من جهة أخرى، فإن انخفاض مبيعات النفط من جراء العقوبات، على الرغم من تقليصه للعوائد الإيرانية، أسهم في تقليص الحكومة لاعتمادها على هذه العوائد، حتى إنها اتجهت نحو وضع موازنة لا تعتمد على النفط.ومع أن مؤشرات الاقتصاد الإيراني ليست على ما يرام، لكن يبدو أن «الصدمة» الناتجة من إعادة فرض العقوبات تنحسر شيئاً فشيئاً، واستطاع هذا الاقتصاد ـــ إلى حدّ كبير ــــ الابتعاد عن نقطة ذروة الأزمة، والتحرك يوماً بعد يوم باتجاه الاستقرار والتعافي، في حين أن واشنطن كانت تتوقع الانهيار في ظل العقوبات، وأن ترغم احتجاجات الشارع الحكومة على قبول الانخراط في محادثات لإيجاد مخرج للوضع المتأزم.

القدرات الداخلية
يقول هادي حق شناس، عالم الاقتصاد ومحافظ كلستان (شمال إيران)، لـ«الأخبار»، إن اقتصاد البلاد شهد استقراراً نسبياً خلال الشهرين أو الثلاثة الأخيرة، مضيفاً أنه على رغم أن الوضع الاقتصادي الحالي «ليس بالوضع المرجوّ، وأن معدلات التضخم والبطالة لا تزال مرتفعة، لكننا نواجه حقيقة أن مجمل الاقتصاد الغربي أصبح في مواجهة الاقتصاد الإيراني. وفي وضع كهذا، استطاعت جزيرة إيران المستقرة صدّ الأمواج العاتية الآتية من محيط الضغوطات الاقتصادية. ولو أن هذه الأمواج العاتية ضربت أي اقتصاد آخر، لكان انهار». ويعطي مثالاً على ما يقول، أنه «عندما قاطعت السعودية والإمارات، قطر، فإن القطريين كانوا سيواجهون مشاكل جادة إن لم تساعدهم بعض الدول، بما فيها إيران. وفي الأزمة الاقتصادية لعام 2008، شهد العديد من البلدان تراجعاً اقتصادياً حاداً. لكن بورصة إيران التي تُعرف اليوم بميزان حرارة الاقتصاد، تشهد نمواً ويستثمر فيها الناس». ويرى أن سبب ارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية لعدة أضعاف في العام الفائت «يعود في الأغلب إلى السياسات الاقتصادية الخاطئة التي اعتمدت خلال السنوات التي سبقت العقوبات»، ويتابع: «بما أن البنك المركزي لم يسمح خلال السنوات السابقة بزيادة سعر الصرف تماشياً مع معدلات التضخم، فإن هذا النابض انفلت بغتة العام الماضي مع الصدمة الناتجة من العقوبات الأميركية غير المشروعة، وارتفع سعر الصرف فجأة إلى ثلاثة أو أربعة أمثال».
15% من الاقتصاد الإيراني فقط يعتمد على الخارج


لكن حق شناس يذهب إلى أن الصدمة الناجمة عن العقوبات انحسرت إلى حد كبير. ويضيف: «بما أن لا أحد في إيران يتوقع غير هذا من الغرب، فإن الأنظار اتجهت بالمعنى الحقيقي إلى استثمار الطاقات المحلية». ويتابع: «إلقاء نظرة على واردات الأعوام الماضية وصادراتها، يُظهر أن تبعية الاقتصاد الإيراني للخارج كانت بنحو 60 إلى 70 مليار دولار. لذلك، إن الاقتصاد الذي يبلغ إجمالي إنتاجه الداخلي 500 مليار دولار، 15% منه فقط يعتمد على الخارج، و85% منه ينبعث من الداخل، وهذا الموضوع زاد من القدرة على المقاومة». أما التقلبات والمشاكل المتأثرة بالعقوبات، فهي بحسب حق شناس «لا يمكن أن تكون دائمة وتربك الهياكل والبنى... مختلف قطاعات الاقتصاد الإيراني، بدءاً من الصناعة والزراعة، وصولاً إلى التجارة، نشأت خلال السنوات الأخيرة في مناخ العقوبات واعتادتها... حتى وإن وصلت صادرات النفط إلى الصفر، فإنها لن تكون دائمة من جهة، والقطاعات الأخرى في حالة زيادة الاستثمار والفاعلية يمكن أن تعوّض عن هذا النقص من جهة ثانية».

إصلاح السیاسات
يؤكد علي ميرزاخاني، رئيس تحرير صحيفة «دنياي اقتصاد» (عالم الاقتصاد)، وهي من أهم الصحف الاقتصادية التي تصدر في طهران، في حديث إلى «الأخبار»، أن «العلائم والقرائن والمؤشرات الميدانية، وحتى الإحصائية، تشير إلى أنّ الاقتصاد لم يشهد خلال الشهرين أو الأشهر الثلاثة الأخيرة التقلّبات والتذبذات التي مرّ بها العام الماضي». ويضيف: «دراساتنا لأحدث تطورات قطاعات الإنتاج في الاقتصاد، بما فيها بورصة الأوراق المالية، تظهر حصول تحسن نسبي». ويرى ميرزاخاني أن جذور صدمة العملة الأجنبية للعام الماضي، التي أدت إلى زيادة أسعار السلع، لم تكن ناجمة عن العقوبات، «بل عن إدمان الاقتصاد الإيراني للنفط». ويلفت إلى أن «العقوبات كانت مجرد ذريعة لظهور صدمة العملة الأجنبية هذه.

(أ ف ب )

وإن كنا نحن نريد التحرك باتجاه الاقتصاد بلا نفط، فإن هذه الصدمة كانت ستحصل». أما أسباب هذا الاستقرار النسبي خلال الأشهر الأخيرة، فأحد أهمّها، وفق ميرزاخاني، يكمن في تصويب السياسات الخاطئة السابقة: «السياسات الخاطئة التي أدت إلى حدوث تأرجح واهتياج عنيف وُضعت جانباً إلى حد كبير. إننا قلّما استفدنا في السابق من الطاقات الإنتاجية المحلية، ولأن الاستفادة من عوائد النفط كانت غير صحيحة، فإنها أسهمت في تقويض قدرة الاقتصاد الإيراني على التنافس، وأدت إلى فقدان الطلب دولياً على منتجاتنا، وأن تصبح صادراتنا محدودة، وحتى أن تكون الصادرات أقل من الورادات. إن الكمّ الهائل من الواردات والتهريب حصل بسبب الاستخدام غير الصحيح للدولارات النفطية، وأدى هذا إلى أن يصبح الإنتاج في الداخل غير محصن أمام الواردات». ويشير إلى سعر الصرف وعجز الموازنة كنقطتَي ضعف الاقتصاد الإيراني «في المستقبل المنظور، لكن إن كانت الحكومة تملك خطة واضحة لهما، فإن آفاق الاقتصاد ستكون إيجابية وبمنأى عن التقلبات والاهتياجات»، مقترحاً «إدارة سوق العملة الأجنبية من خلال زيادة ضخ الدولارات المتأتية من الصادرات غير النفطية، والحدّ من دخول طلبات زائفة وسمسرة. ومن أجل معالجة العجز في الميزانية، يجب التحرك باتجاه جعل الدعم الحكومي محدّد الأهداف... لإنعاش الإنتاج والمشروعات الإنمائية».


توقعات صندوق النقد الدولي
وفق أحدث تقرير لصندوق النقد الدولي، ترجّح التوقعات المتعلقة بإيران للسنوات المقبلة أن الاقتصاد الإيراني سيخرج، اعتباراً من السنة المقبلة وبعد عامين، من الركود، وستكون معدلات نموّه إيجابية حتى عام 2024. ويبلغ معدل النمو المتوقع للسنة الجارية ناقص 6%، لكنه يصل خلال السنوات من 2020 إلى 2024 إلى 0.194%، و 0.858%، و0.967%، و 0.973%، و1.083% على التوالي. وعليه، فإن إجمالي الناتج الداخلي سيرتفع من 484663 مليار دولار عام 2019 إلى 495694 مليار دولار عام 2020. ومع استمرار المسار الصاعد، سيتحول الاقتصاد الإيراني منذ عام 2021 إلى اقتصاد نصف تريليون دولار، إذ سيبلغ إجمالي ناتجه الداخلي 584007 مليار دولار عام 2024. وتوقع صندوق النقد أن يستعيد الاقتصاد الإيراني استقرار الأسعار، بحيث إن معدل التضخم الذي بلغ هذا العام نحو 39%، وهو أحد أعلى معدلات السنوات الأخيرة، سينخفض بنحو ملموس اعتباراً من العام المقبل، ويصل إلى 31% عام 2020، و29% عام 2021، و27% عام 2022، ونحو 25% للعامين 2023 و2024. والمؤشر العام الاقتصادي الوحيد الذي حُذِّر من مستقبله، هو معدل البطالة. فقد توقع صندوق النقد أن يرتفع معدل البطالة من 15.403% عام 2019 إلى 16.147% عام 2020، و17.023% عام 2021، وأن يكون تصاعدياً حتى عام 2024 ليصل إلى نحو 19.388%. بيد أن نسبة عجز الحساب الجاري إلى إجمالي الناتج الداخلي ستتراجع هي الأخرى. وإن كانت هذه النسبة ستصل إلى ناقص 0.8% عام 2022، إلا أنها ستنخفض بعد ذلك لتصل إلى ناقص 0.599% بنهاية عام 2024.