«توأم ترامب البريطاني»
يدفع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رئيس الوزراء البريطاني الجديد، بوريس جونسون، نحو استراتيجية صعبة مع الاتحاد الأوروبي. استراتيجية ربما تجعل الأخير مقيّداً، نظراً إلى جملةٍ من التعقيدات، التي ستسبق تنفيذ «بريكست».
منذ بداية ولاية ترامب، ساعدت بريطانيا في قيادة مقاومةٍ هادئة في وجه رئيسٍ قلَب السياسة الخارجية الأميركية رأساً على عقب، ومارس ضغوطاً كبيرة على حلف شمالي الأطلسي «الناتو». لكنّ ذلك قد يتغير مع تولّي بوريس جونسون منصبه الجديد، إذ إن براعة أدائه وولعه في سياسة «المعاملات»، تجعل من «بو جو»، «توأم ترامب البريطاني».
بحسب أحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، نيكولاس بيرنز، فإن «بريطانيا تعيش أزمةً وجودية»، بينما «تسير الولايات المتحدة بخطى ثابتة نحو واحدة». ويضيف أن كليهما، ترامب وجونسون، «متقلبا المزاج، وغير قابلين للتنبؤ». من جهته، أشعل جونسون فتيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016، في خطوةٍ احتضنها ترامب بعد أشهر قليلة. ويمثل كلاهما قوى تسعى الى تحطيم المؤسسات التي ربطت الديموقراطيات الغربية على مدى عقود. وسبق لترامب أن تحدّث عن انسحاب بلاده من حلف «الناتو»، بينما أعرب جونسون عن رغبته في تنفيذ «بريكست»، وإن على حساب الاتفاق مع بروكسل.
وترتسم علامات الاستفهام حول ما إذا كان جونسون سيغير مسار بريطانيا، ويوحّدها أكثر مع ابن عمّها الأميركي. فحين انسحب ترامب من الاتفاق النووي، تكاتفت بريطانيا مع فرنسا وألمانيا للحفاظ على الصفقة، وحين هاجم ترامب «الناتو»، طمأنت بريطانيا حلفاءها في شأن التزامها بالحلف، وحين طالب الأميركيون المملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى بحظر معدّات الاتصالات الخاصة بشركة «هواوي» الصينية، تردّدت الحكومة البريطانية، على اعتبار أن التهديد ليس كبيراً بما يكفي للمخاطرة بالتجارة مع الشركات الصينية.
وعقب إعلان فوز جونسون، قال ترامب إن رئيس الوزراء الجديد رجل جيّد، يسمونه في المملكة «ترامب بريطانيا... لأنهم يحبونني، وهذا ما يريدونه ويحتاجون إليه».
ويُتوقع أن يواصل ترامب تعليق اتفاقية التجارة الحرة المحتملة مع بريطانيا ليشجع جونسون على تنفيذ «بريكست» في الموعد النهائي، 31 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. وبالنظر إلى تعقيدات السياسة البريطانية المتعلقة بهذا الموضوع، ربما يجد جونسون نفسه مضطراً الى تلبية مطالب ترامب.
(إدوارد وونغ، ودايفيد سانغر ــــ «نيويورك تايمز»)

هل تصل «بريطانيا جونسون» إلى الهاوية؟

كسلفه، تيريزا ماي، دخل رئيس الوزراء البريطاني الجديد، بوريس جونسون، «10 داونينغ ستريت»، في أجواء محتدمة، كونه منتخباً من قبل حزب «المحافظين»، وليس البريطانيين ككلّ. وبعد ثلاث سنوات من تولّي ماي رئاسة الوزراء، توجّه الحزب نحو مسارات جديدة لحلّ المشكلة ذاتها: خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. جونسون (55 عاماً) يشارك ماي القليل من الصفات، ويختلف عنها بالكثير. فقد كانت ماي محرَجة ومترددة وغير قادرة على طمأنة الشعب من مجهولِ ما بعد تنفيذ «بريكست». أما جونسون، المندفع والمتحمّس دائماً، فذكر، بينما كان يقف أمام «10 داونينغ ستريت»، أن ما سيأتي بعد سنوات من التردّد، هو التغيير، وأنّ «غايات المشكّكين والمتشائمين لن تتحقق».
يصعب تخمين ما سيحدث لاحقاً، وخصوصاً في ظلّ أزمة مغادرة بريطانيا التكتّل الأوروبي. بعد عامين من المفاوضات مع بروكسل، فشلت ماي، في ثلاث مناسبات، بإقناع البرلمان البريطاني بخطّتها للخروج من الاتحاد. في المقابل، وعد جونسون بالتفاوض على اتفاق جديد، خلال الأيام الـ 99 المتبقية لتنفيذ الاتفاق. وفور توليه منصبه، قال: «سنقوم بصفقة جديدة، صفقة أفضل». لكن ذلك لا يمكن تحقيقه بالوسائل التقليدية، إذ يبدو أن جونسون يحاول إقناع الجميع بأنه مجنون بما يكفي، للخروج من الاتحاد، بعد 46 عاماً، من دون اتفاق.
وبعد ثلاث سنوات من خطابات ماي المتأنية، يأتي جونسون ويلوّح بذراعيه عمداً، ويقول: «هيا بنا الآن»، في إشارة إلى أن وقت التغيير حلَّ.
ومن غرائب الحياة السياسية، أن غالبية السياسيين، وحتى الأكثرهم تواضعاً، يؤمنون، سرّاً، بإمكانية وصولهم إلى الرئاسة مثلاً، أو رئاسة الوزراء. ومن الواضح أن جونسون لم يتوقّف يوماً عن الحلم. هذا الرجل الذي كان في صغره يحلم بأن يكون «ملكاً للعالم»، كانت طموحاته كفيلة بإقناع الجميع. فمنذ أن أصبح نائباً في البرلمان عام 2001، كثُر الحديث عن إمكانية تولّيه منصب رئيس الوزراء.
من الصعب التنبؤ بمسار جونسون الذي يعتمد فيه على الوصول إلى مراده. ولكن هناك العديد من النقاط التي يمكن ذكرها باطمئنان: أولاها، أنه استطاع القيام بعمل جيد عندما كان عمدة للندن، برغم أنه لم يكن يوماً سياسياً فعالاً.
إن كان هناك من جانب إيجابي في هذه القصة، فهو أن جونسون ليس متطرفاً من أي نوع كان، فهو ليبرالي متروبولي: يؤيد حرية الاختيار والهجرة، ويتقبل التنوع ومطّلع على الشؤون العالمية. ولكن المشكلة تكمن في كونه غير جدّي، ومجرّد من الأخلاق، ما قد يجعل ضمان بقائه في منصبه مستحيلاً.
كان من الممكن أن يكون جونسون رئيساً مسلّياً أو مسالماً لو كان وضع البلاد مستقراً، أو لو لم يكن دونالد ترامب في البيت الأبيض، أو لو كان في استطاعته اتباع أهوائه. لكن الأمر بات مستحيلاً، إذ حُدد موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
(سام نايت ــــ «نيويوركر)