تتمسّك طهران بمسارها التصعيدي في إطار ملف الاتفاق النووي. مسار سيُدخل اتفاق لوزان في نفق مظلم، يبدو احتمال عودته منه إلى الحياة أمراً صعباً، وإن كان المسار القانوني لسيناريو كهذا يحتاج إلى وقت طويل حتى الإعلان الرسمي لانفراط عقد الاتفاق. مع ذلك، لا تزال الأمور ضبابية، ولا سيما أن الأوروبيين يحرصون على شراء الوقت، وهم حتى الآن لم يفصحوا عن رغبتهم في استعجال المسار القانوني المضاد، الذي يبدأ بتفعيل آلية فضّ النزاع المنصوص عليها في الاتفاق، وصولاً إلى عدم تجديد رفع العقوبات في مجلس الأمن.بالنسبة إلى طهران، فإن الاتفاق، من الناحيتين السياسية والاقتصادية، بات شبه ميت بفعل العقوبات الأميركية، أو بالأحرى الالتزام الأوروبي لهذه العقوبات. وبعد عام من الانسحاب الأميركي، وتصاعد المواجهة بين طهران وواشنطن، لا تجد إيران في الاتفاق سوى ورقة ترمي بها ضمن سلة من «الضغوط المضادة» لسياسة «الضغوط القصوى» الأميركية، نظراً إلى أنها لم يعد لديها ما تخسره أو تكسبه، إلا إذا نجحت هذه الضغوط في تغيير الموقف الأوروبي. لكن تعاطي إدارة واشنطن، ومعها تل أبيب، مع التهديدات الإيرانية بالمضي في برنامج التخفف من الالتزامات، يكشف عن مأزق وتحدّ جديدين لدى هذه الإدارة. اللافت هنا سرعة لجوء الولايات المتحدة إلى لهجة التهديد ضد إيران، في ما يخص زيادة التخصيب، كما يتضح من تصريحات الرئيس دونالد ترامب، الذي حذّر من «اللعب بالنار»، مطالباً بوقف التخصيب كاملاً. هكذا، بات الموقف الأميركي عالقاً بين خروجه من الاتفاق الذي كان يحدّ من تخصيب اليورانيوم، واتجاه طهران إلى التخصيب بنسب تتخطى حدود المسموح به، حتى بات ترامب يستخدم «التهديد» بديلاً من الاتفاق الحالي والاتفاق الجديد الذي حلم به للحدّ من التخصيب، وهو ما لن يكون ناجعاً وفق ما تظهره تصرفات إيران في الملف، والتجارب السابقة على هذا الصعيد. ويكشف نجاح طهران في استفزاز واشنطن وتل أبيب، وإعادة المخاوف من زيادة نسبة التخصيب، محاولةً إيرانية لجعل ثمن العقوبات باهظاً ومعاكساً لتوقعات الإدارة الأميركية منها.
وعلى خط طهران ــ بروكسل، لم تتوقف إيران عند التصريحات الأوروبية المطالبة بالتراجع عن الخطوات النووية. وأكد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أمس، خطوتين جديدتين في إطار التحرك النووي، بعد تجاوز مخزون اليورانيوم الحدّ المنصوص عليه في الاتفاق، هما تشغيل مفاعل آراك، وتجاوز حدّ نسبة التخصيب. وقال الرئيس الإيراني إن مستوى تخصيب اليورانيوم «لن يبقى لدينا 3.67%، سننحّي هذا الالتزام جانباً، وسننتج بأيّ قدر نريده وبأي قدر تقتضيه الضرورة وتقتضيه حاجتنا». وتوجه إلى الأوروبيين بالقول: «يمكن إعادة كل الإجراءات التي نتخذها إلى وضعها السابق في غضون ساعة واحدة، فلماذا تشعرون بالقلق؟»، مضيفاً: «إذا لم تعملوا وفقاً للبرنامج والإطار الزمني لكل الالتزامات التي قدمتموها لنا، فإننا سنعيد مفاعل آراك إلى سابق عهده» اعتباراً من 7 تموز (الجاري، موعد انتهاء المهلة الإيرانية) فصاعداً». وأوضح أن ذلك يعني إعادة المفاعل «للوضع الذي تقولون إنه خطير ويمكن أن ينتج البلوتونيوم (مكون رئيسي يمكن أن يستخدم في صنع القنبلة النووية)». أما بالنسبة إلى آلية «إنستكس»، فاعتبرها روحاني مجرد آلية بلا مال، وقال إنها «جوفاء ولا تجدي نفعاً، ولم تقدم سوى الإجراءات الاستعراضية حتى الآن»، في إشارة إلى ضرورة أن تشمل شراء النفط حتى تعتبر طهران أن الأوروبيين يفون بالتزاماتهم.
إزاء ذلك، واصل الأوروبيون محاولات ثني طهران عن إجراءاتها، فاعتبرت الخارجية الفرنسية أن إيران «لن تكسب شيئاً من الخروج من اتفاق فيينا». وقالت متحدثة باسم الوزارة: «تطالب فرنسا وشركاؤها الأوروبيون إيران بقوة بالتراجع عن التخصيب الزائد دون تأخير، والامتناع عن أي إجراءات أخرى تقوّض التزاماتها النووية».