استعرت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، مع دخول رسوم جمركية أميركية جديدة مشددة حيز التنفيذ، أمس، على بضائع صينية مستوردة بنسبة 10%، ما قيمته 200 مليار دولار، قابلها إجراء مماثل من الصين، دخل حيز التنفيذ، على منتجات أميركية بقيمة 60 مليار دولار، الأمر الذي يزيد المخاطر على النمو العالمي، بحسب تحذيرات الخبراء، من أن أي نزاع تجاري طويل بين واشنطن وبكين، سيؤثر في نهاية المطاف على النمو، ليس فقط في البلدين، بل على الإقتصاد العالمي ككل.تراوحت المنتجات الصينية التي طالتها الرسوم الأميركية بين المكانس الكهربائية والأجهزة المتصلة بالإنترنت، لكنها استثنت ساعات «آبل» الذكية، وأجهزة البلوتوث، فيما طالت الرسوم الصينية الغاز الطبيعي المسال. وقالت بكين، في بيان نشرته أمس، فيما يخصّ التصعيد التجاري مع واشنطن، إن «الولايات المتحدة تناقض بين تصريحاتها وأفعالها»، مؤكدة أن ذلك «يؤدي إلى تصعيد الحرب التجارية، ويعرّض التجارة العالمية للخطر». واعتبرت الصين أن الإجراءات الأميركية تتناقض مع مبادئ منظمة التجارة العالمية، مؤكدة أن الولايات المتحدة توجه «اتهامات كاذبة بشأن التجارة بهدف ترهيب الدول الأخرى».
أميركياً، قال وزير الخارجية، مايك بومبيو، عشية دخول الرسوم حيز التنفيذ، لشبكة «فوكس نيوز»، إن «الحرب التجارية التي تخوضها الصين ضد الولايات المتحدة مستمرة منذ سنوات»، مؤكداً أن بلاده ستحقق «نتيجة ترغم الصين على التصرف بالشكل الذي نتوقعه من قوة عالمية، الشفافية، ودولة القانون. لا يمكن سرقة الملكية الفكرية». ويطالب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منذ أشهر، الصين بوضع حد لممارسات تجارية يصفها بأنها «غير نزيهة»، وينتقد بصورة خاصة إرغام الشركات الأميركية الراغبة في الدخول إلى السوق الصينية على تقاسم مهاراتها التقنية مع شركاء محليين، متهماً بكين بـ«سرقة» الملكية الفكرية.
الرسوم ستزيد من نفقات الأسر على المنتجات ذات الاستخدام اليومي


ومع بدء سريان الرسوم الجديدة، توترت أسواق الأسهم الأوروبية، إذ انخفض المؤشر «ستوكس 600» الأوروبي 0.1%، وهبط المؤشر «داكس» الألماني، الحساس لتطورات التجارة، 0.3%. وتواصلت خسائر قطاعي السيارات والتعدين، وهما من القطاعات الأكثر اعتماداً على سلاسة التجارة العالمية، ليفقدا 0.8 و0.9%. ووفق ما ذكرت وكالة «رويترز»، انخفض كذلك المؤشر الرئيسي لأسهم منطقة اليورو 0.3%، ليقطع أطول موجة مكاسب له منذ عام 1997.
في غضون ذلك، قال رئيس قسم الاقتصاد في وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، إن «الحرب التجارية باتت واقعاً». وما يزيد من تعقيدات الوضع أن الحوار يبدو مقطوعاً بين الطرفين. وقد أتى تعليق «فيتش» بعد أن ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن بكين ألغت زيارة مقررة لوفد من المفاوضين الصينيين في 27 و28 أيلول/ سبتمبر إلى واشنطن، كما أن مفاوضات سابقة جرت في أواخر آب/أغسطس لم تسفر عن نتيجة. ورأت «فيتش» أن «سياسات الولايات المتحدة التجارية الحمائية بلغت نقطة باتت فيها تؤثر فعلياً على آفاق نمو عالمي لا تزال قوية». في المقابل، خفضت الوكالة توقعاتها للنمو في الصين إلى 6.1% هذه السنة، بتراجع 0.2% عن توقعات حزيران/يونيو، فيما باتت تتوقع نمواً عالمياً بنسبة 3.1% في عام 2019، بتراجع 0.1 %. ولفتت «فيتش» إلى أن النمو الاقتصادي في العالم «أقل توازناً وأقل تناغماً». وما يزيد من المخاطر على التوسع الإقتصادي، دخول ترامب في نزاع تجاري مع كل الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة.
على صعيد شركاء واشنطن، كان ترامب قد توصل إلى هدنة هشة مع الاتحاد الأوروبي والمكسيك، لكن إدارته تجري مفاوضات صعبة مع كندا. ويبدو الآن أن اليابان التي تسجل الولايات المتحدة تجاهها عجزاً تجارياً بقيمة 56.6 مليار دولار، باتت هدفاً لترامب. وبعث عملاق التوزيع «وولمارت» رسالة أخيراً إلى إدارة ترامب، حذر فيها من أنه في حال فرض رسوم جمركية جديدة على البضائع الصينية، فقد يعمد إلى زيادة أسعاره على مجموعة واسعة من المنتجات، التي تتراوح بين المواد الغذائية من أسماك، وصلصة الصويا، والطحين وغيرها، إلى لوازم العناية الشخصية والصحة مثل الشامبو والصابون وأدوية التنظيف. وأشارت سارة ثورن، التي كتبت الرسالة، وهي تعمل لترويج «وولمارت»، إلى أن هذه الرسوم الجمركية ستزيد من نفقات الأسر على هذه المنتجات ذات الاستخدام اليومي.
إلى ذلك، نشرت الحكومة الصينية «كتاباً أبيض»، أمس، تحدثت فيه عن علاقتها الإقتصادية والتجارية مع الولايات المتحدة، عرضت بكين من خلاله موقفها من التوترات التجارية مع واشنطن. ويتألف الكتاب من 6 أجزاء، ويكشف عن الممارسات التجارية الحمائية من قبل الحكومة الأميركية الراهنة، واصفاً إياها بـ«التنمر التجاري».