في الأول من آب/ أغسطس الحالي، سرّب موقع «ذي إنترسبت» الأميركي معلومات تفيد بأن «غوغل» تعمل «سراً» على إنشاء محرّك بحث جديد في الصين خاضع للرقابة، وذلك بعد ثماني سنوات على خروجها من السوق الصينية، على أثر مواجهة ضغوط تتعلق بالرقابة.وفقاً للتسريبات التي نُشرت في تقرير مفصّل حينذاك، أشار الموقع إلى أن «غوغل» تعمل، منذ العام الماضي، على تطوير «نسخة خاضعة للرقابة» من أجل طرحها في الصين، تحت اسم رمزي هو «دراغون فلاي»، من شأنها إزالة المحتوى الذي تعتبره الحكومة الصينية «حساساً».
لكن التسريبات سرعان ما نفت صحتها وسائل إعلام صينية رسمية، أبرزها صحيفة «تشاينا سيكيوريتز ديلي» (China Securities Daily) التي تصدرها هيئة الأوراق المالية الصينية، والتي أوردت في ردها ما يأتي: «من المهم القول إنه منذ العام الماضي، تظهر مرة بعد أخرى شائعات عن عودة محتملة لغوغل إلى الصين (…). التقارير التي تؤكد عودة محرك البحث إلى الصين غير حقيقية».


«خطة غوغل غبية»
من ناحيتها، لم تؤكد «غوغل»، أو تنفي، حتى الآن أياً من المعلومات المسرّبة. لكنها اكتفت، في بيان مقتضب، بالإشارة إلى أنها تقدم بعض التطبيقات المخصصة للهواتف المحمولة في الصين، مثل «مترجم غوغل» Google Translate و«غوغل فايلز غو» Files Go، وأنها تتعاون مع مطوّرين صينيين، وتستثمر في شركات محلية مثل شركة التجارة الإلكترونية «جيه دي دوت كوم». في المقابل، رفضت أن تعلق «على تكهنات بشأن خططنا المستقبلية».
لكن، يبدو أن ضبابية «غوغل» بشأن عودتها إلى الصين، وما فُسِّر لاحقاً على أنه «تواطؤ في انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بنظام الرقابة الصارم في الصين»، أثار حفيظة لقمان تسوي، وهو الرئيس السابق لحرية التعبير في آسيا والمحيط الهادي في «غوغل» بين عامي 2011 و2014. الأخير، وفي تقرير جديد نشر في موقع «ذي إنترسبت» نهاية الأسبوع الماضي، انتقد خطة الشركة العملاقة المتعلقة بإطلاق محرك بحث خاضع للرقابة في الصين. ووصف هذه الخطة بـ«الخطوة الغبية»، التي من شأنها أن تنتهك مبادئ حقوق الإنسان على نطاقٍ واسع، كاشفاً في هذا الإطار عن تغيّر مقاربة الشركة للحقوق والحريات، وخصوصاً بعدما تخلّت عن توظيف أشخاص مسؤولين عن «إدارة قسم حرية التعبير». وهو القسم الذي كان يتولاه تسوي سابقاً.
من جانبٍ آخر، رأى تسوي أن إطلاق محرك البحث الخاضع للرقابة في الصين «سيكون انتصاراً معنوياً لبكين، التي ليس لديها ما تخسره»، على اعتبار أن «غوغل» إذا أرادت العودة، «فستخضع للشروط والأحكام التي ستفرضها الصين».


«بايدو» تنتفض
من جانبٍ آخر، لا يمكن القول إن محاولة «غوغل» إرضاء السلطات الصينية للعودة إلى سوقها التنافسية في مجال البحث قد مرت مرور الكرام لدى الشركة المحلية «بايدو» (Baidu)، التي تمكنت من سد فجوة «غوغل» بعد غيابها عن البلد لفترة طويلة. فقد تلقت «غوغل» تحذيراً مبهماً من الرئيس التنفيذي لـ«بايدو»، روبن لي، الذي قال إنهم «واثقون جداً بتفوقهم عليها مرة أخرى»، إذا ما قررت «غوغل» العودة. وفي رسالة وجهها عبر خدمة التراسل «وي تشات»، حذّر لي الشركة العملاقة من «صعوبة التعامل مع قوة الشركات الصينية»، وخصوصاً أن «العالم يستنسخ الصين التي تمسك بزمام المبادرة الآن». ويبدو أن لي قصد بذلك الإنجاز الذي حققته شركة «هواوي» الصينية العملاقة للاتّصالات (Huawei)، التي انتزعت أخيراً المرتبة الثانية عالمياً في الهواتف الذكية من شركة «آبل» خلال الربع الثاني من العام الحالي، بعدما باعت 54,2 مليون هاتف في غضون ثلاثة أشهر فقط. وهنا، قد تتّضح أكثر أسباب إصرار «غوغل» على اختراق السوق الصينية مجدداً، في إطار مسعاها لتوسيع أعمالها التجارية في هذا البلد نظراً إلى عدد سكانه واقتصاده الهائل.