توجه قادة الاتحاد الأوروبي إلى العاصمة الصينية، ثمّ العاصمة اليابانية، في جولة تهدف إلى توطيد العلاقات التجارية مع هذين البلدين، ومواجهة سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في حال تصاعدت حربه التجارية. هذه الجولة الآسيوية لممثلي الاتحاد الأوروبي تندرج في إطار خطوة لدوله لتشكيل تحالفات للتصدي لحمائية إدارة ترامب وشعارها «أميركا أولاً».ووقعت الصين والاتحاد الأوروبي، أمس، حزمة من مذكرات التفاهم للتعاون في مجالات عدة، خاصة في التجارة والاستثمارات والجمارك، وذلك خلال القمة الـ20 للصين والاتحاد الأوروبي، التي عقدت في بكين بمشاركة، رئيس مجلس الدولة الصيني لي كيكيانغ، ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر. وقال بيان صدر عن القمة إن «الصين والاتحاد الأوروبي، بوصفهما قوتين واقتصادين رئيسيين في العالم، يتحملان مسؤولية مشتركة للحفاظ على النظام الدولي وتعزيز التعددية ودعم التجارة الحرة وتعزيز السلام والاستقرار والتنمية في العالم في ظل الوضع الدولي الحالي». وتعتبر الصين ثاني أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، وبلغت قيمة صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الصين 198 مليار يورو العام الماضي، بينما استورد الاتحاد الأوروبي بضائع صينية بقيمة 374 مليار يورو خلال العام نفسه.
ودعا توسك كلاً من الصين والولايات المتحدة وروسيا إلى «تجنب الفوضى» التي ستتأتى عن حرب تجارية، في تصريح يأتي كرد مباشر على وصف الرئيس الأميركي للاتحاد الأوروبي والصين وروسيا بـ«الأعداء» المنافسين. وقال إنه «لم يفت الأوان لتجنب النزاع والفوضى»، داعياً إلى الشروع في إصلاح منظمة التجارة العالمية. وتابع توسك: «نعي جميعاً أن البناء العالمي يتبدل أمام أنظارنا»، مشدداً على أن «العالم الذي بنيناه على مدى عقود أتى بالسلام لأوروبا والنمو للصين وبنهاية الحرب الباردة».
وقبل ساعات قليلة من أول قمة ثنائية بين ترامب ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، رأى توسك أنه «واجب مشترك على أوروبا والصين، إنما كذلك على أميركا وروسيا، عدم هدم هذا النظام العالمي بل بالأحرى تحسينه، وعدم الخوض في حروب تجارية غالباً ما أدت في تاريخنا إلى نزاعات مفتوحة». وفي هذه التصريحات دعوة إلى التسوية تتباين مع تصريحات ترامب الأخيرة. وتعقيباً على كلام ترامب خلال المقابلة التي بُثت أول من أمس، كان توسك قد قال إن الرئيس الأميركي «يشيع أخباراً كاذبة» عندما ينعت أوروبا بأنها عدو للولايات المتحدة، مضيفاً في تغريدة على «تويتر»: «أوروبا والصين، وأميركا وروسيا، اليوم في بكين وهلسنكي، (مسؤولون) بشكل مشترك عن تحسين النظام العالمي وليس تدميره... آمل أن تصل هذه الرسالة إلى هلسنكي». أيضاً، علّقت الممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني، قائلة: «لا بد من سؤال ترامب عمن يراهم أصدقاء».
بالعودة إلى الزيارة الأوروبية إلى الصين، وجه توسك من بكين دعوة إلى «الصينيين، والرئيسين ترامب وبوتين، للشروع معاً في عملية إصلاح كاملة لمنظمة التجارة العالمية»، قائلاً إن «الهدف من هذا الإصلاح الشامل يجب أن يكون تعزيز منظمة التجارة العالمية كمؤسسة وضمان شروط تنافس عادلة». وتابع: «إننا بحاجة إلى قواعد جديدة على صعيد دعم القطاع الصناعي والملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا القسري وخفض كلفة المبادلات التجارية». كلام توسك جاء بمثابة رد على مخاوف واشنطن التي تتهم بكين باستمرار بالقيام بعمليات «نقل قسري للتكنولوجيا» عبر إرغامها الشركات الراغبة في إيصال منتجاتها إلى الأسواق الصينية على إقامة شركات مع أطراف محليين تمكنهم من الاستفادة من التكنولوجيا الأميركية. وهذه ليست المرة الأولى التي يطلب فيها الأوروبيون إصلاح منظمة التجارة العالمية، إذ سبق أن دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في نهاية أيار الماضي إلى البدء بمفاوضات دولية إصلاحية.
على صعيد آخر، اتفق توسك ولي، على الإسهام في نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، والالتزام بوضوح بخطة العمل الشاملة المشتركة للبرنامج النووي الإيراني. وقال توسك: «عقدنا اجتماعاً مثمراً وبنّاءً واتفقنا على تطوير الشراكة الاستراتيجية الأوروبية الصينية، كما تطرقنا للتعاون في مجال الأمن ومسائل السياسة الخارجية، وكذلك ناقشنا الوضع في الدول المجاورة لنا».
وسيزور توسك ويونكر اليوم طوكيو لتوقيع اتفاق تبادل حر مع اليابان. ووفق المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، مارغاريتاس سكيناس، فإن الاتفاق مع اليابان «تاريخي» وهو «الأهم الذي تفاوض في شأنه الاتحاد الأوروبي»، موضحاً أن «هذا الاتفاق سيخلق منطقة تبادل حر تغطي حوالى ثلث إجمالي الناتج الداخلي العالمي». وأخيراً وصفت المفوضة الأوروبية لشؤون التجارة سيسيليا مالمستروم، الاتفاق الأوروبي ــ الياباني بأنه «رسالة قوية» ضد الحمائية الأميركية.