في كلمةٍ مقتضبة مساء اليوم، أعقبت إقالته من منصب وزير الخارجية الأميركية، نقل ريكس تيلرسون صلاحياته إلى نائبه، على أن يغادر منصبه نهاية الشهر الحالي. تيلرسون الآتي من خارج عالم السياسة، لم يأتِ على ذكر الرئيس دونالد ترامب أو أسباب إقالته له، مكتفياً بتوجيه التحيّة إلى فريقه في الوزارة؛ وأكّد على ضرورة «ضمان الانتقال المنظّم والسلِس، في وقت لا تزال تواجه فيه البلاد تحدّيات كبيرة على صعيد السياسة والأمن القومي».تيلرسون الذي أقاله ترامب بتغريدة عبر «تويتر» في أكبر تغيير في إدارته حتى الآن، عدّ «إنجازاته» خلال العام الذي أمضاه على رأس الدبلوماسية الأميركية، ومنها، بحسب قوله، «إجبار طالبان على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وتحقيق وقفٍ مهم لإطلاق النار في سوريا أنقذ الآلاف من الأرواح»، مع الإشارة إلى أنّه «لا يزال هناك الكثير لإنجازه في سوريا والعراق»، ولكن من دون الإتيان على ذكر الملف الإيراني، بعدما عزا ترامب أسباب خلافاتهما إلى الاختلاف في وجهات النظر بشأن الاتفاق النووي مع إيران.

يوم تيلرسون الطويل
مسألة إقالة تيلرسون، لم تأت بين عشية وضحاها، خصوصاً أن وسائل الإعلام الأميركية، وعلى مدى أشهر، كتبت عشرات التقارير عن عزم ترامب استبدال وزير خارجيته، إلى أن أعلن الرئيس ذلك بتغريدة صباحية، أقال فيها تيلرسون وعيّن المدير الحالي لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، مايك بومبيو، مكانه، كما عيّن بديلاً عنه جينا هاسبل على رأس وكالة الاستخبارات المركزية، لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب.
في تغريدته، كتب ترامب: «مايك بومبيو مدير الاستخبارات المركزية سيصبح وزير خارجيتنا الجديد. سيقوم بعمل رائع!». أضاف: «جينا هاسبل ستصبح المديرة الجديدة للاستخبارات المركزية وأول امرأة يقع الاختيار عليها لهذا المنصب. تهانيَّ للجميع!». وفي تغريدته، شكر ترامب تيلرسون، إذ قال: «أخيراً، أريد أن أشكر ريكس تيلرسون على خدمته. لقد تمّ تحقيق الكثير خلال الأشهر الـ14 الماضية، وأتمنى له ولعائلته الخير».
ترامب، الذي طالما اصطدم مع تيلرسون، يَعتقد بأنّ هذا الأخير «مؤسساتي جداً» في تفكيره. أما السبب وراء القيام بهذه الخطوة الآن، فهو بحسب ما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست» مرتبط باقتراب محادثاته مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون.
لكن ترامب، وقبل توجّهه إلى كاليفورنيا، تحدّث إلى الصحافيين عن خلافاته مع تيلرسون، الرئيس السابق لشركة «إكسون موبيل»، بما فيها خلافات بشأن الاتفاق النووي مع إيران. وفي شرح لقراره، قال: «كنّا متفقين بشكل جيد لكن اختلفنا حول بعض الأمور»، مضيفاً «بالنسبة إلى الاتفاق (النووي) الإيراني أعتقد أنه رهيب، بينما اعتبره (تيلرسون) مقبولاً وأردت إما إلغاءه أو القيام بأمر ما، بينما كان موقفه مختلفاً بعض الشيء، لذلك لم نتفق في مواقفنا». وامتدح بومبيو الذي «سيواصل برنامجنا بإعادة مكانة أميركا في العالم وتقوية تحالفاتنا، ومواجهة خصومنا، والسعي لنزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية»، واصفاً الوزير الجديد بأنّه «الشخص المناسب لهذه الوظيفة في هذا المنعطف الحاسم»؛ كما دعا إلى الإسراع في تأكيد تعيين بومبيو استعداداً لمرحلة من المحادثات الحساسة.
ويتعيّن على بومبيو وهاسبل الحصول على تأكيد تعيينهما من مجلس الشيوخ لتولي منصبيهما الجديدين. ويُتوقع أن يعقد المجلس جلسة استماع بشأن بومبيو في نيسان/ أبريل المقبل، بحسب قادة المجلس.


إقالة ثانية في يومٍ واحد
تعليقاً على الإقالة، قال وكيل وزارة الخارجية للدبلوماسية العامة، ستيف غولدشتاين، إنّ تيلرسون «كان لديه عزم على البقاء» في منصبه؛ «لأنه شعر أنه يحرز تقدماً حاسماً على صعيد تعزيز الأمن القومي» للبلاد. وأضاف أنّ الوزير المُقال «لم يتحدّث مع ترامب حول قراره، ولا يعرف ما سبب إقالته»، وأنّه علم بشأنها من خلال تغريدة الرئيس الأميركي عبر «تويتر».
لم ينتظر ترامب طويلاً عقب هذه التصريحات، ليُصدر قراره بطرد غولدشتاين أيضاً من منصبه. ولم يتم الكشف عن السبب، ولكن مسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية قالوا إنّ ترامب هو الذي اتخذ القرار. وقال غولدشتاين في رد فعل على ذلك «لقد كان (عملي في الوزارة) أعظم شرف في حياتي، وأنا ممتن للرئيس ولوزير الخارجية على هذه الفرصة، وأتطلع للحصول على فترة راحة».

موسكو تسخر

علّقت روسيا، ساخرةً، على إقالة وزيرة الخارجية الأميركي، وتساءلت ما إذا كانت ستلقى على عاتقها مسؤولية هذا القرار، في إشارة إلى اتهامها بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وتساءلت المتحدثة باسم «الخارجية»، ماريا زاخاروفا، في تعليق لوكالة «فرانس برس»: «ألم يتهم أحد بعد روسيا بالمسؤولية عن تبدّل المناصب في واشنطن؟».


علاقة متوترة

أُجبر تيلرسون مراراً على نفي خلافه مع ترامب، وتعهّد بالبقاء في منصبه، برغم المعلومات التي سُرِّبت عن وصفه رئيسه مرة بـ«الغبي». وفي غالبية الأحيان، كان الوزير المُقال يعمل على التخفيف من وطأة أسلوب ترامب غير الدبلوماسي ومجموعة التغريدات التي يطلقها وتتسبّب في توترات عالمية.
ونقلت «رويترز» عن مسؤول في البيت الأبيض قوله إنّ ترامب طلب من تيلرسون التنحي يوم الجمعة الماضي، لكنّه لم يُرِد إعلان الأمر، بينما كان في جولة في أفريقيا. وعليه، جاء إعلان ترامب بعد ساعات قليلة من وصول تيلرسون إلى واشنطن بعدما قطع جولته الأفريقية.


بومبيو
يعتبر بومبيو من صقور التيار المناوئ لموسكو، وقد حذّر في السابق من أنّ الرئيس فلاديمير بوتين زعيم خطير. وكان الرجل الذي دخل الكونغرس ثلاث مرات عن ولاية كنساس معارضاً شرساً للاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. كما أنّه من معارضي إغلاق معتقل غوانتانامو. فبعد زيارته للمعتقل العام 2013، قال إن «بعض المساجين الذين أعلنوا إضراباً عن الطعام قد زاد وزنهم». كما دافع عن الاستخبارات الأميركية بعد صدور تقرير لمجلس الشيوخ حول التعذيب، وقال إن «القائمين على المعتقل من رجال ونساء، ليسوا جلادين وإنما وطنيين، ويتصرفون في إطار القانون والدستور».
واتهم بومبيو بمعاداة المسلمين بعد تصريحاته عقب هجمات ماراثون بوسطن العام 2013، إذ صرح بأن بعض رجال الدين الإسلامي شجعوا على الهجمات الإرهابية. وقال «عندما تكون غالبية الهجمات الإرهابية المدمرة التي تعرضت لها أميركا في الأعوام الـ20 الأخيرة من أناس يعتنقون ديناً معيناً، وقاموا بالهجمات باسم ذلك الدين، فإن هناك التزاماً خاصاً يقع على الزعماء الروحيين لذلك الدين. وبدلاً من أن يردوا على تلك الأفعال، فإن صمت تلك القيادات الإسلامية في أنحاء أميركا يجعلهم ضمناً متواطئين».
خلال توليه منصبه كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية، طابق بومبيو لهجة تصريحات السياسة الخارجية لترامب. وقال «كي تكون وكالة الاستخبارات المركزية ناجحة، يجب أن تكون هجومية وقاسية وأن تعمل من دون رحمة وبلا هوادة».
وسبق أن مازح بشأن اغتيال الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون.
وحاز بومبيو على ثقة ترامب في الموجزات اليومية للأمن القومي، إذ تكيّف مع نفور الرئيس من قراءة التقارير الطويلة عبر تحضير المعلومات الاستخباراتية في رسوم بيانية مبسطة حول المخاطر والتهديدات الدولية.
بعد اختياره، عبّر بومبيو عن امتنانه لترامب، وقال في بيان: «أنا ممتنّ جداً للرئيس ترامب للسماح لي بالخدمة كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية، ولهذه الفرصة (التي أتاحها لي) للعمل كوزير للخارجية». وأضاف: «قيادته جعلت أميركا أكثر أمناً وأتطلّع قدماً لتمثيله والشعب الأميركي أمام باقي العالم، من أجل تحقيق المزيد من الازدهار الأميركي».

هاسبل
عيّن ترامب مسؤولة الاستخبارات جينا هاسبل (61 عاماً)، على رأس وكالة الاستخبارات المركزية لتصبح أول امرأة تتولّى هذا المنصب. لدى الأخيرة خبرة واسعة في العمليات السرية، إذ كانت انضمت إلى الوكالة في العام 1985 وخدمت في أماكن عدة في العالم.
لدى تعيينها، قبل عام، المسؤول الثاني في الوكالة، قال بومبيو إنّ «جينا جاسوسة مثالية ووطنية مخلصة تملك أكثر من 30 عاماً من الخبرة في الوكالة. وهي أيضاً قيادية محنكة مع قابلية ممتازة للقيام بالمهام ودفع من يحيطون بها».
عُيّنت هاسبل العام 2013 على رأس الجهاز الوطني السرّي لوكالة الاستخبارات المركزية، لكن تمّ تعيين بديل بعد أسابيع قليلة، وذلك على ما يبدو بسبب شكوك في مسؤوليتها عن سجون سرية في الخارج بعد اعتداءات 11 أيلول/ سبتمبر 2011. وشهدت تلك السجون السرية عمليات إيهام بالغرق، مشابهة للتعذيب، خلال استجواب المساجين. حينها، كتبت «واشنطن بوست» أنّ هاسبل «أدارت سجناً سرياً في تايلند أُخضع فيه معتقلون إلى محاكاة إغراق وأشكال أخرى من سوء المعاملة». كذلك ذكرت الصحيفة أنّها تورّطت العام 2015 في تدمير أشرطة فيديو حول تقنيّات «استجواب مفرط» مع العديد من المعتقلين في تايلند.
هاسبل أعربت عن حماستها للترقية التي تلقّتها. وقالت في بيان: «بعد 30 عاماً في العمل كضابط في وكالة الاستخبارات المركزية، تشرّفت بالخدمة كنائب لمدير الوكالة مع مايك بامبيو، خلال العام الماضي». وأضافت: «أنا ممتنّة للرئيس ترامب على الفرصة، وأشكر ثقته بي، لتعييني مديرة لوكالة الاستخبارات المركزية».



بإقالته، ينضم تيلرسون إلى قائمة طويلة من كبار المسؤولين الذين إمّا استقالوا أو أقيلوا منذ تولّى ترامب منصبه في كانون الثاني/ يناير 2017. من بين هؤلاء، الخبير الاستراتيجي ستيف بانون، ومستشار الأمن القومي مايكل فلين، ومدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي، وكبير موظفي البيت الأبيض رينس بيربوس، ووزير الصحة توم برايس، ومديرا الاتصالات هوب هيكس وأنتوني سكاراموتشي، والمستشار الاقتصادي غاري كوهن، والمتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر.