فشلت الجمعية العامة للأمم المتحدة في اتخاذ قرار على مستوى المعاناة الإنسانية المأسوية التي يشهدها قطاع غزة. وقد ساهمت الضغوط المتعددة في إفشال الجهود الرامية إلى إنشاء لجنة للتحقيق بجرائم الحرب المرتكبة
نيويورك ـ نزار عبود
شكّلت الجلسة الطارئة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة تظاهرة لتوضيح بشاعة العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة من خلال عشرات الكلمات، شديدة اللهجة، التي ألقاها المندوبون، واستخدام عبارات مثل «الهولوكوست بحق الفلسطينيين» و«الإبادة الجماعية» و«جرائم حرب». إلا أن القرار النهائي الذي تبنّته الجمعية، اقتصر على المطالبة بالاحترام التام لقرار مجلس الأمن 1860، وتأمين فتح المعابر ومواصلة تقديم المساعدات الإنسانية، من دون أن يتطرق إلى إنشاء لجنة تحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية المرتكبة بحق المدنيين الفلسطنيين.
فبعد معارضة مشروع القرار الأساسي، الذي تقدم به الرئيس الحالي للجمعية الأب ميغويل دي اسكوتو بروكمان، طرحت الإكوادور مشروع قرار مخففاً نسبياً، عندها برز اعتراض مصري ـــــ فلسطيني مشترك عليه، انطلاقاً من وجود نصّ مصري آخر قد جرى التوافق عليه بين المجموعة الأوروبية والمندوب الفلسطيني، رياض منصور، الذي ناشد أعضاء الجمعية أن يتّحدوا خلف مشروع القرار المصري، ليطرح بعدها المشروع للتصويت قراراً أخيراً للجمعية العامة ويحظى بتأييد 142 دولة، في مقابل معارضة ثلاث دول، هي: إسرائيل، الولايات المتحدة ونورو، وامتناع تسع دول عن التصويت، أبرزها: إندونيسيا، إيران، فنزويلا وسوريا. ولم يقبل رئيس الجمعية العامة أن يبقي اسمه عليه راعياً.
وأعرب القرار الذي حمل الرقم «A/ES-10/L.21»، عن القلق البالغ من العدد الكبير للضحايا والدمار الناجمين عن تجاهل القوانين الدولية والإنسانية في زمن الحرب في قطاع غزة. واتهم «دولة الاحتلال» بمواصلة عدوانها، وطالبها باحترام قرار مجلس الأمن 1860، «بما في ذلك دعوته الملحّة إلى وقف نار فوري ودائم يتم احترامه بما يؤدي إلى انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة». وطلب من كل الأطراف، بما في ذلك مجلس الأمن، استخدام جميع الوسائل المتاحة من أجل ضمان «التجاوب التام والسريع مع القرار». كذلك دعم القرار الجهود الدولية والإقليمية و«الجهود غير العادية» لوكالات الأمم المتحدة، وخصوصاً وكالة «الأونروا».
وقد دعا القرار الدول إلى تقديم الدعم للجهود الدولية والإقليمية الرامية إلى تخفيف معاناة السكان. وركز على الحاجة إلى «ضمان فتح دائم للمعابر الحدودية أمام الحركة الحرة للأفراد والبضائع من قطاع غزة وإليه، وفقاً لاتفاق العبور والحركة لتشرين الثاني 2005». كذلك اتفق أعضاء الجمعية العامة على إبقاء الدورة الطارئة العاشرة مفتوحة لاستئنافها في أي وقت بناءً على طلب أي دولة.
وجددت مقدمة القرار تأكيد المسؤولية المستمرة للأمم المتحدة في ما يتعلق بقضية فلسطين. وأعادت التذكير بالقواعد والمبادئ ذات الصلة في القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وخصوصاً اتفاق جنيف الرابع المتعلق بحماية المدنيين، معبرةً عن قلقها العميق من «مواصلة إسرائيل استخدامها الهائل للقوة العسكرية، ما يؤدّي الى أزمات إنسانية خطيرة في قطاع غزة».
وأثار تبنّي القرار ردود فعل متباينة؛ ففيما توجّه المندوب الفلسطيني بالشكر إلى بروكمان على إنجاز القرار، انتقد مندوب تشيكيا، التي ترأس الاتحاد الأوروبي، مارتن بلو، القرار لأنه «لا يتضمن إشارة واضحة إلى قضية تهريب الأسلحة...». كما رأى نائب المندوب الأميركي، اليخاندرو ولف، أن القرار «لم يكن ضرورياً وليس مفيداً». ووصفته مندوبة إسرائيل، ميراف إيلون شاهار، بأنه «ناقص كثيراً ومنحاز انحيازاً صارخاً».
من جهته، أعرب مندوب فنزويلا، خورغه فاليرو برنسينيو، عن دهشته مما آل إليه النقاش. وقال «ما كنت أتصور أن أعضاء من الجامعة العربية سيقبلون بنصّ لا يطالب حتى بالوقف الفوري لإطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية».
بدوره، قال المندوب السوري، بشار الجعفري، «الذين صوّتوا مع القرار يعتقدون بأنهم يخدمون قضية شعب غزة، لكنهم لا يخدمونها...». كذلك قال مندوب إندونيسيا مارتي نيتاليغاوا، «سيكون من الصعب علينا تفسير كيف أن الجمعية العامة فشلت حتى في القول للطرف المسؤول عن الوضع، أي إسرائيل، توقفي عن العنف الآن!».