محمد بديرأسقطت إسرائيل أمس قناعها الذي ترتديه بين الفينة والأخرى لتقدم نفسها إلى العالم بوجهها الحقيقي متجسداً في حكومة جديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، هي أبلغ تعبير عن رد تل أبيب على مبادرة السلام العربية. حكومة تمكّن رئيسها، بعد جهود مكلفة، من إضفاء نكهة «اعتدال» على صورتها عبر إشراك حزب «العمل» فيها سعياً إلى تسهيل القبول بها من المجتمع الدولي، رغم المفارقة الكامنة في أن من سيمثلها أمام هذا المجتمع هو، تحديداً، أفيغدور ليبرمان. وباستنادها إلى الثالوث المذكور، نتنياهو ـــــ باراك ـــــ ليبرمان، ثمة في إسرائيل من يرى في الحكومة الجديدة حكومة الفرصة الثانية؛ فنتنياهو حصل على فرصته الثانية بالتربع على كرسي رئاسة الوزراء بعد عقد من التيه في صحراء السياسة بين العزوف والمعارضة، وهي فرصة يدرك أنها قد لا تتكرر إن لم يحسن استغلالها. كذلك فإن باراك غنم فرصته الثانية في وزارة الدفاع طمعاً في ترميم حزبه المتصدع من موقع الحكم وما يوفره من امتيازات. أما ليبرمان، ففرصته التي يتيحها له ترؤسه للدبلوماسية الإسرائيلية تكمن في إحسانه في توسل منصبه للتخفيف من حدة النفور الذي تثيره شخصيته ومواقفه على الحلبة السياسية الدولية.
ومهما تكن الملفات الساخنة التي ستجد حكومة نتنياهو الثانية نفسها في مواجهتها، يبقَ الاستحقاق الأول بالنسبة إليها تلميع صورتها أمام العالم، والسعي، على وجه خاص، إلى فتح اعتمادٍ أولي لدى الإدارة الأميركية الجديدة يمنحها، بالحد الأدنى، فترة سماح سياسية لإعادة ترتيب أوراقها في ضوء الأسقف المرتفعة التي خلفتها الحملات الانتخابية، وفي مقدمتها رفض إقامة دولة فلسطينية.
إلا أنه بمعزل عن نتيجة الجهود التي سيبذلها نتنياهو في جولاته الخارجية على هذا الصعيد، لا يختلف أحد في إسرائيل على أنه لن يحظى بترف التنعم بفترة سماح في المجالين الاقتصادي والأمني في ظل إلحاح الملفات ذات الصلة؛ اقتصادياً، بدأت الأزمة العالمية تلقي بظلها الثقيل على الأسواق الإسرائيلية مخلفة آثاراً مماثلة لما أحدثته في الاقتصاديات الغربية، كالبطالة وإفلاس الشركات بالجملة وانكماش النمو. أما على المستوى الأمني، فسيكون نتنياهو مطالباً بخوض سباق مع الوقت لمعالجة الملف النووي الإيراني الذي يعتبره رأس أولويات حكومته. وسيضطر كذلك إلى التعامل مع «حبة البطاطا الساخنة» التي ألقاها سلفه، إيهود أولمرت، في حضنه، والمقصود بها الوضع المفتوح على احتمالات التفجر في قطاع غزة، بما يرتبط به ملفات كقضية الجندي الأسير جلعاد شاليط واستحقاق المصالحة الفلسطينية الداخلية.
وإذا كان ثمة إجماع بين أركان الحكومة الثلاثة على انعدام فرص التوصل إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين في المدى القريب، فإن قضية غزة ستشهد، على الأرجح، أول الاختبارات لحدود المرونة بين تناقضات الحكومة، التي حظيت بثقة 69 عضو كنيست ومعارضة 45 وامتناع خمسة أعضاء من «العمل» عن التصويت.