كشفت دراسة حديثة أن 16.9 في المئة من السكان في دولة الإمارات العربية المتحدة فقراء. رقم مرتفع نسبياً بالنسبة إلى ثاني أكبر اقتصاد عربي. غير أنّ خطّ الفقر الذي تحدّده الدراسة هو تحت 29.6 ألف درهم (8 آلاف دولار) سنوياً للفرد، أي ما يعادل 2400 درهم شهرياً (657 دولاراً)، كما أنّ هذا الفقر يتركّز نوعياً لدى الوافدين الذي يمثّلون أكثر من 80 في المئة من السكّان
دبي ــ جمال محمد
تفيد الدراسة الاقتصاديّة التي أعدّها كبير الاقتصاديّين في مجلس دبي الاقتصادي، عبدالرزاق الفارس، وعرضها في ندوة «الآثار الاجتماعية للتنمية الاقتصادية» التي عقدت في مجلس الأربعاء الماضي، أنّ 7.2 في المئة من مواطني الإمارات الأصليّين فقراء، بينما يبلغ معدل الفقراء لدى «فئة» غير المواطنين نحو 13.9 في المئة، ليُستخلص أنّ ظاهرة الفقر «ليست عميقة»، فمتوسط دخل الفقراء المواطنين يمثّل حوالى 98.1 في المئة من خط الفقر، وهذا يعني أن الفقير المواطن يحتاج إلى أقلّ من 2 في المئة من متوسّط دخله ليخرج من حالة الفقر، أما الوافد فيحتاج إلى حوالى 5 في المئة.
وقال الفارس إنّه لا «يوجد فقير في الإمارات» وفقاً لمقاييس البنك الدولي، إذ إن الفقير هو الشخص الذي يقلّ دخله عن 5500 درهم سنوياً (1498 دولاراً). وعرّف الفقر بأنه «عدم القدرة على تحقيق مستوى معين من الرفاهية، الذي يمثّل الحد الأدنى المقبول في مجتمع ما خلال فترة زمنية»، موضحاً أنّ أهم التحديات التي تواجهها دراسات الفقر تتمثل في تحديد الحد الأدنى من الرفاهية الذي يعدّ النزول عنه دخولاً في دائرة الفقر. كذلك لفت الفارس إلى أن متوسط دخل المواطن يبلغ 144.4 ألف درهم (40 ألف دولار) سنوياً على مستوى الدولة ككل، كما يتراوح متوسط دخل المواطن بين حدّ أعلى يبلغ 192.5 ألف درهم (52 ألف دولار) في دبي، وحدّ أدنى بلغ 92.7 ألف درهم (25 ألف دولار) في إمارة الفجيرة. وفي ما يتعلق بتقدير خط الفقر المطلق على أساس حزمة الاستهلاك، فإن خط الفقر للمواطنين هو 44.9 ألف درهم (12 ألف دولار) سنوياً، على أساس متوسّط كلفة المعيشة للأفراد الذين يزيد حجم إنفاقهم على 90 في المئة من الدخل، وفقاً للفارس.
من جهتهم، أكّد خبراء اقتصاديون حضروا الندوة أن ظاهرة الفقر في الإمارات ليست عميقة، ولا تمثّل مشكلة كبيرة، لكنهم حذّروا من عدم تنظيم جهود مكافحة الفقر، مشيرين إلى أنّ الحكومات في دول الخليج، عموماً، قامت بالدور الرئيس للرفاهية ومساعدة المجتمعات من دون التزام سياسي أو مساعدة مؤسسات القطاع الخاص.
ورأى الخبراء أن الأزمة المالية العالمية لم تمسّ الفقراء مباشرة في العالم، بل أثّرت في المؤسسات من خلال انخفاض مستوى الطلب على السلع والخدمات، وهو ما سيؤثّر بصورة غير مباشرة في زيادة حدّة الفقر.
وحدّدت الدراسة، بحسب معدّها، ثلاثة خطوط للفقر المطلق، هي لجملة السكان، وللمواطنين، وللوافدين. كما قدّرت خطوطاً أخرى للفقر مثل مؤشر عدد الرؤوس (نسبة الفقراء من السكان)، ومؤشر فجوة الفقر (مقدار العجز المجمع للفقراء نسبة إلى خط الفقر)، ومؤشر حدّة الفقر (فجوة الفقر للأفراد تحت خط الفقر). غير أنّ الدراسة لم تتطرّق إلى عدد سكان الإمارات، الذي قال المجلس الوطني الاتحادي إنّه يقارب 5.6 ملايين نسمة. وتشدّد الجهات الرسميّة على أنّه ليس في تناقص بسبب الأزمة الاقتصايّة التي تؤدّي إلى هجرة معاكسة.
من جهته، رأى رئيس مجلس دبي الاقتصادي، جمعة الماجد، أن الفقر حالة إنسانية موجودة في كل بلدان العالم، لكنّ الفرق في تلك الدول يتمحور حول «كيفية المواجهة» وتقديم العون إلى الفقراء، من خلال مساعدتهم على إيجاد الوظائف، أو قضاء احتياجاتهم المعيشية.
وأشار إلى حرص المجلس على جمع صناع القرار في الدولة مع الخبراء في شؤون التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر هذه الندوة، بهدف دراسة قضايا اقتصادية واجتماعية مهمة تلامس المجتمع الإماراتي، من قبيل موضوع الفقر، والتفاوت في توزيع الدخل، والفجوة بين أصحاب الدخول المختلفة، والعائد على التعليم، إضافة إلى تقويم السياسات التي تتبعها الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية للتصدي لتلك الآثار الاجتماعية المترتبة على عملية التنمية الاقتصادية في دولة الإمارات. وعلى هامش الندوة، قال الأمين العام للمجلس هاني راشد الهاملي إنّ «الإمارات شهدت خلال السنوات القليلة الماضية معدلات نمو اقتصادي غير مسبوقة، ارتفع وفقها متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي إلى واحدة من أعلى المستويات العالمية، إلا أن هذا النمو المتسارع قد صاحبه ارتفاع في معدلات التضخم، وتفاوت في فرص الاستفادة من هذا الازدهار الاقتصادي». وأشار إلى أنّ هذا الأمر «أثار تساؤلات عن مدى مواكبة السياسات الاقتصادية والاجتماعية الحكومية لهذه الظواهر الطارئة في خضم عملية التنمية الاقتصادية، وهو ما صبت إليه الندوة للإجابة عن هذه التساؤلات من أجل اقتراح السياسات الكفيلة باستدامة الاستقرار الاجتماعي ورفع معدلات الرفاه في المجتمع».


دعم حكومي

أبرَزَ الفارس أن خط الفقر المطلق للمواطنين في دبي، التي عاشت خلال العقد الماضي فقاعة نموّ ضخمة، هو أعلى من خط الفقر في الدولة ككل، حيث يقدر بحوالى 74.9 ألف درهم (20 ألف دولار) سنوياً. وعزا ذلك إلى ارتفاع أكلاف المعيشة، فيما 27.1 في المئة من المواطنين يتلقّون مساعدات أو دعماً مباشراً من الحكومة الاتحادية أو الحكومة المحلية. وأوضح أن نسبة المواطنين الذين يتلقّون الدعم تبلغ 43.7 في المئة من إجمالي المواطنين الذين يتلقّون مثل هذه المساعدات على مستوى الدولة، تليها في ذلك إمارة الشارقة.