خلال الاجتماع السنوي لمطوّري برنامجها المعروف بـ«I/O»، الذي عقد الأسبوع الماضي في مقر وادي السيليكون (سيليكون فالي)، كشفت شركة «غوغل» عن الميّزات الجديدة التي ستضيفها إلى برمجياتها في المستقبل. ومن جملة التحديثات التي أُعلنت حينها، الإصدار الجديد من تطبيق «أخبار غوغل»، الذي باشرت الشركة العملاقة عملية واسعة النطاق لإعادة تصميمه وتنظيمة بشكلٍ كامل، في إطار مواجهة الاتهامات بالمساهمة في تراجع الصحافة وانتشار التضليل الإعلامي. إلا أن نهج الشركة التحديثي والذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، سرعان ما أثار ردود فعل متباينة بين الخبراء.
نهج الذكاء الصناعي
في الاجتماع نفسه، كشف رئيس مجموعة «غوغل»، سوندار بيشاي، عن تفاصيل الصيغة الجديدة من تطبيق «أخبار غوغل»، قائلاً إنها تستخدم الذكاء الاصطناعي «لتُظهر الأخبار التي تهم (المشتركين) نقلاً عن مصادر موثوقة»، وإنها تعرِض «في الوقت نفسه مجموعة كاملة من وجهات النظر حول الأحداث».
رئيس المشروع، تريستان أبستيل، لفت بدوره إلى أن صيغة التطبيق المحدثة «تستخدم أفضل ما في الذكاء الاصطناعي للعثور على أفضل ما في الذكاء البشري»، أي «الصحافة الممتازة التي يمارسها المراسلون عبر العالم»، علماً بأن المجموعة تُتّهم، على غرار شركة «فايسبوك»، بالسماح بانتشار «الأخبار الزائفة» وإتاحة الكثير من المحتويات المجانية، فضلاً عن تقاضيها الجزء الأكبر من عائدات الإعلانات على الإنترنت. لهذه الأسباب وغيرها، ضاعفت «غوغل»، خلال الأشهر الأخيرة، الإعلانات الرامية إلى طمأنة وسائل الإعلام. ويبدو أن نهجها الجديد المتبع في تحديث التطبيق يدخل في دائرة طمأنة وسائل الإعلام، ومجابهة انتقاداتها.



«مزايا» التطبيق الجديد
يعرض التطبيق الجديد مقالات مفصّلة بحسب خيارات المتصفحين الشخصية في قسم «لكم» (for you)، وتغطية الأحداث المهمة في قسم «أبرز الأخبار»، معطياً الأفضلية للمصادر «الموثوقة»، بحيث يتم الخروج من «فقاعة المرشح» التي تتسبب بعزلة ثقافية وفكرية للمشترك من خلال إمداده بنتائج بحث مبنيّة على أفضلياته فقط.
في ما يلي، أبرز المزايا في تطبيق «أخبار غوغل» المحدّث:

«لكم» (for you): يطلق على العرض الأولي لتطبيق «أخبار غوغل» بالإيجاز «توجيهات»، حيث ستجد 5 أخبار من غوغل استناداً إلى اهتماماتك وموقعك. بعد أهم النتائج، يجذب التطبيق المزيد من الأخبار التي يُعتقد بأنك ستكون مهتماً بها.
«تغطية كاملة»: عندما تريد التعمق أكثر في قصة مثيرة للاهتمام، سيؤدي زر «تغطية كاملة» متعدد الألوان إلى فتح صفحة جديدة مقسمة إلى فئات مختلفة: أهم تغطية، مقاطع فيديو، من «تويتر»، رأي وكل التغطية، بحيث إن كل قسم ينظم الأخبار من جميع أنحاء شبكة الإنترنت ومنشورات مختلفة، ما يتيح لك خيار القراءة أو الاستماع إلى مصدر الأخبار الذي تختاره.
«المفضلة» (favorite): علامة التبويب المفضلة هي المكان الذي تذهب إليه لمساعدة التطبيق في تعلّم اهتماماتك، وطبيعة الأخبار والمؤسسات الإخبارية التي تريد أن يعرضها أمامك التطبيق.
«الصحف»: يستخدم قسم الصحف لسرد مختلف المنافذ الإخبارية والمنشورات وتوفير خيار الاشتراك في الخدمات المعنية. ويتم دعم كل من الاشتراكات المجانية والمدفوعة في قسم الصحف والمجلات، ويتم إرسال الفواتير إلى أي اشتراكات تشترك فيها من خلال التطبيق إلى حساب «غوغل بلاي» وإدارتها.

أهداف التطبيق
مساعدة وسائل الإعلام على إيجاد مشتركين والحد من مفاعيل أنظمة الخوارزميات التي تحكم عمليات البحث، مواضيع محددة في طليعة النتائج
أن يتمكن الجميع من الوصول إلى المعلومات ذاتها
مساعدة ناشري الصحافة على اجتذاب اشتراكات مدفوعة، إذ تُبسّط الشركة على القراء كيفية الاشتراك من خلال استخدام حسابهم على «غوغل»

تدابير «ايجابية»... و«إشكالية»
أستاذة الصحافة في جامعة «نيويورك»، ميريديث بروسارد، انتقدت نهج التحديث قائلةً: «هناك خرافة مستمرة منذ وقت طويل، حول المقالات التي يتم اختيارها بصورة مفصلة بحسب المتصفح» بواسطة نظام الخوارزميات. وتابعت: «لم يتوصل أحد إلى تحقيق ذلك. أعتقد أن الذين يؤمنون تغطية الأحداث وناشري الصفحات الرئيسية (على الإنترنت) ينجزون بالأساس عملاً جيداً على صعيد فرز الأخبار».
في المقابل، رأى أستاذ الصحافة في جامعة «نورث إيسترن»، دان كينيدي، أن التدابير الجديدة تبدو إيجابية بالنسبة إلى أوساط الصحافة، على اعتبار أن «غوغل» «رفضت لسنوات عديدة تقاسم العائدات مع المجموعات الصحافية، بذريعة أن الشركة تجلب لها قراء وأنه يعود لها أن تتدبر أمرها لجني منافع مالية من ذلك». وقال كينيدي: «الآن، ومع تقاضي غوغل وفايسبوك أكثر من 90 بالمئة من مجموع عائدات الإعلانات على الإنترنت، تقرّ غوغل أخيراً بأنه يتحتم اختبار وسيلة أخرى».
بيد أن خبير الصحافة الرقمية في جامعة «نورث وسترن»، نيكولاس دياكوبولوس، لفت إلى أن النتائج غير مؤكدة، ولا سيماً أن «غوغل» «تركز كل جهودها على عدد محدود نسبياً من ناشري الصحافة». ورأى كذلك أن فكرة تحديد المصادر «الموثوقة» ودفعها إلى الواجهة قد تكون «إشكالية»، إذ إن الإجراء، الذي قد «يكون إيجابياً لكبار (الناشرين) أو أولئك الذين فهموا كيف يتم التلاعب بالخوارزميات (...)»، قد يستثني «المواقع الإخبارية المحلية ومواقع الأخبار الحديثة».
وفي النتيجة، لفت دياكوبولوس إلى أن قدرة الذكاء الاصطناعي على تعزيز الخيارات، لا يلغي حاجة قطاع النشر وتقاسم المحتويات الإخبارية «إلى العنصر البشري (...)»، قائلاً: «إننا بحاجة إلى عكس القيم الإنسانية والقيم التحريرية. لا يمكن قياس المعايير التي قد تكون ذات أهمية في عملية اتخاذ قرار تحريري».