دمشق | يقع حيّ الأمين في مركز دمشق القديمة ويتبع إدارياً للشاغور، وتسكنه أكثرية من الطائفة الشيعية ويضم تاريخياً عدداً كبيراً من الفلسطينيين ــ السوريين اللاجئين منذ عام 1967. وقد تشكلت في هذا الحيّ منذ أكثر من عام لجان شعبية مسلحة كثر الحديث عن وجود عناصر من حزب الله اللبناني بينها، ولكن جولة ميدانية في الحيّ لم تكشف أي شيء من هذا القبيل. وبالمقابل، فقد كشفت عن سمات قد يندر وجودها في معظم ما يسمى اللجان الشعبية في سورية. اللجان التي أصبح بعض أهالي حمص يسمونها بالألوية «المسوزكة» نسبةً إلى سيارات السوزوكي التي تستخدمها لنقل الأثاث من البيوت بعد دخول الجيش إلى مناطق المسلحين. تستطيع الدخول إلى الحيّ عبر أربعة مداخل أساسية، اثنان منها في الجهة الجنوبية واثنان في جهة الشمال بين باب شرقي وشارع مدحت باشا. وأياً كان المدخل الذي ستمر منه إلى الحيّ، فإن عناصر من اللجان سيستأذنون منك بلطف ليفتشوا ما تحمله، وبعد الانتهاء من التفتيش يعتذرون عن اضطرارهم إلى فعل ذلك. وهو سلوك غريب لمن يعيش في دمشق، فالمعتاد في الغالب هو أن اللجان التي تكتفي بالسلوك الفظ هي أفضل اللجان، في مقارنة مع اللجان «المسوزكة» وما شابهها. وإلى جانب السلوك المؤدب، يقتصر حمل السلاح على الشباب الذين تتجاوز أعمارهم الثامنة عشرة. ومع أن ضمن هذه اللجان من هم دون الثامنة عشرة، فإن مهمتهم تنحصر في الوقوف جانباً دون سلاح ومع أجهزة لاسلكية للإبلاغ عن أي شيء مريب. ومن اللافت أن السلاح لم يظهر علناً إلا منذ ثلاثة أشهر تقريباً، فقبل ذلك كان سلاح اللجان مُخفىً بعلبٍ لآلة الغيتار أو أكياسٍ سوداء كبيرة. توقفت «الأخبار» لتسأل أحد عناصر اللجان عن سر اختلاف سلوك اللجان في هذا الحيّ عن غيرها، فأحالنا على المسؤول عنه الذي أخبرنا، بعد أن رفض الكشف عن اسمه، أنّه «في الأزمات يوجد دائماً ضعاف النفوس الذين يحاولون استغلال حاجة البشر، ونحن هنا لدينا نظام صارم، فأي عنصر من اللجان يسيء التعامل مع أهالي الحي أو ضيوفه يفصل فوراً». ولدى سؤاله عن اشتراك عناصر لجان الحي في معارك خارجه أجاب: «نحن نثق بجيشنا، ونحارب إلى جانبه حين يطلبنا من طريق الخدمة الإلزامية أو الاحتياط، لكننا لا نرسل المدنيين إلى المعارك خارج الحيّ ولا نمنعهم». محمد طفيلي، طالب هندسة من سكان الحيّ، أخبرنا بأن تهديدات متكررة وصلت إلى الحيّ، ولكن «علاقاتنا بجيراننا ضمن دمشق القديمة ممتازة، وعلاقاتنا مع ضيوفنا من المهجرين من الأحياء الساخنة ممتازة هي الأخرى».
وإلى جانب مهمات التفتيش والحماية، تنظم لجان الأمين توزيع الخبز على أهالي الحيّ بحيث تصل مخصصات كل بيت إلى بابه، وتنظم أيضاً توزيع المساعدات على المهجرين. س. نجار، صاحب محل سمانة، قال لـ«الأخبار»: «عائلتي مكونة من سبعة أفراد، وتصلنا ربطتا خبز إلى البيت يومياً، يوصلهما عنصر من اللجان، ويأخذون ثمن الربطة الواحدة 15 ليرة سورية، أي بسعرها الرسمي دون أية زيادة». ولدى وصولنا إلى مخبز الأمين الواقع في منتصف الحيّ، استغربنا الازدحام الهائل عليه، وحاولنا تبين صحة ما قيل لنا عن توزيع الخبز على البيوت. أ. حللي، أحد المنتظرين أمام المخبز، قال: «أنا قادم من الزاهرة الجديدة لشراء الخبز؛ فهذا المخبز هو الأقرب». وأكد أحد عناصر اللجان الموجودين بجانب الفرن أنّ «سبب الازدحام هو أن هذا الفرن يخدم العديد من المناطق المحيطة بحيّنا، كذلك إن عدد المهجرين في المنطقة كبير، ولذلك تجد هذا الازدحام. أما القاطنون في الحيّ، بغضّ النظر عن طائفتهم، فيصلهم الخبز إلى بيوتهم».
وإن كان نموذج اللجان الشعبية في حيّ الأمين نموذجاً قليل التكرار ولا يسمح بأي استنتاج عام بشأن طريقة عمل اللجان عموماً، لكنه بالمقابل يسمح بالتفكير في مدى أهمية تنظيم الناس لجهودها بقوىً من داخلها، الأمر الذي يسمح بحل العديد من المشكلات التي يعجز جهاز الدولة عن حلها حالياً.