وفي وقت ظهرت فيه بوضوح محاولات تيارات سياسية معارضة، ودول من بينها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي، استثمار احتجاجات السويداء في سياق الضغوط السياسية المستمرة على سوريا في شتّى المحافل والمجالات، عن طريق الاحتجاجات ببداية الأحداث في درعا، وما رافقها من تحوّل إلى عملية اقتتال مسلح، اصطدمت تلك المحاولات بوعي أظهره وجهاء ومشايخ عقل الطائفة الدرزية في المحافظة، إذ جاءت بيانات الشيوخ الثلاثة، حكمت الهجري ويوسف الحناوي ويوسف جربوع، بالرغم من الاختلاف بينهم في بعض وجهات النظر، هادئة ومركّزة على مطالب محددة، من بينها إقالة الحكومة، وتحسين الأوضاع المعيشية، والتمسك بمبادئ وطنية، لمنع أيّ انحيازات تؤجج الأوضاع. وهي نقاط شدّدت عليها أيضاً بيانات عدد من الوجهاء في الجولان السوري المحتل، الأمر الذي لاقى أصداء طيبة بين أبناء المحافظة، وأدّى بمجمله إلى ظهور موقف حازم رافض لأيّ طروحات تتحدّث عن محاولة اقتباس تجربة «قسد» (الإدارة الذاتية)، أو ما أشيع عن تشكيل مجلس للإدارة المحلية. في المقابل، أظهرت الحكومة السورية وأجهزتها حالة انضباط، ساهمت في النهاية في إعادة دوائر الدولة إلى العمل، ليفرز كلّ ذلك بمجمله الواقع الهادئ الذي تعيشه السويداء الآن، والذي يمنع شلّ الحياة فيها، ويؤمّن في الوقت نفسه مساحة لاستمرار احتجاجات متباينة ومتفاوتة، تشهد بعضها عمليات تمزيق صور، وإغلاق لمقارّ تابعة لحزب «البعث» الحاكم.
استمع مسؤولون سوريون إلى مطالب المحافظة، سواء الخدمية أو المعيشية، ومن بينها فتح معبر رسمي بين السويداء والأردن
وبينما جذبت معارك الشرق السوري بين «قسد» وقوات عشائرية، الأضواء الإعلامية من احتجاجات السويداء، لا تزال بعض الفعاليات في المحافظة تحاول استكمال الاحتجاجات عبر دعوات متواصلة إلى وقفات يومية في بعض الساحات، من بينها ساحة الكرامة في وسط المدينة، وفي صلخد جنوبها، بالإضافة إلى تنظيم وقفات لإلقاء كلمات لبعض الوجهاء وقادة الحراك. وبالفعل، بدأت، خلال اليومين الماضيين، محاولات استعادة مشاهد الاحتجاجات الأولى التي انطلقت في السابع عشر من الشهر الماضي، لوقف تراجع زخمها، في وقت لم تُظهر فيه الحكومة السورية أيّ ردود أفعال محدّدة تجاه السويداء، باستثناء لقاءات أجراها مسؤولون سوريون مع وجهاء من المدينة ومشيخة العقل. وفي السياق، ذكرت مصادر متقاطعة من السويداء أن اللقاءات تضمّنت استماع المسؤولين إلى مطالب المحافظة، سواء الخدمية أو المعيشية، ومن بينها فتح معبر رسمي بين السويداء والأردن، من شأنه أن ينعش الحركة التجارية والأوضاع الاقتصادية، وهو مطلب قديم - حديث يحتاج تنفيذه إلى توافق سوري - أردني، لم تتّضح معالمه بعد.
بالنتيجة، يمكن القول إن احتجاجات السويداء التي تراجعت وتيرتها خلال الأسبوع الماضي، تحاول حالياً استعادة وهجها، وفي الوقت نفسه الالتزام بتوجيهات مشيخة عقل الطائفة الدرزية ووجهاء المحافظة، لناحية ضبط الأوضاع وتحصينها من أيّ اختراقات كبيرة تضرب التركيبة المجتمعية، وخصوصاً في ظلّ طروحاتِ «إدارةٍ ذاتية» تحاول بعض القوى السياسية الناشئة تسويقها، وهو ما يلقى رفضاً من قِبَل المتظاهرين.