سرق تقدّم «داعش» في العراق الاهتمام من الحدث السوري. ومع «هول المصيبة» في العراق، بات بإمكان الرئيس الأميركي باراك اوباما الاعتراف بما في حوزته من معطيات: لا وجود لشيء اسمه معارضة سورية معتدلة. لم يقلها بهذه الصراحة. ربما لم يرد جرح مشاعر مريديه في المعارضة السورية. قال كلمات لامست حدود اليأس: «وجود معارضة معتدلة قادرة على الإطاحة بـ(الرئيس السوري بشار) الأسد يبدو غير واقعي وفانتازيا».
لم يطلق هذا الموقف اعتباطاً. بل استند إلى ما أسماه استهلاك الادارة الأميركية وقتاً طويلاً في العمل مع المعارضة المعتدلة.
يمكن القول إن تصريح باراك اوباما مفصلي. لا يعني بالتأكيد أن الولايات المتحدة ستغيّر موقفها في سوريا. فهي سبق ان عبّرت بطريقة او بأخرى عن موقفها: لا هي تريد فوز الأسد، ولا سيطرة القاعدة بفروعها الكثيرة على سوريا. سبق أن عبّر اوباما عن فرحه باستنزاف المعسكرين. كان ذلك قبل «فتوحات داعش» في العراق، وعجز خصوم ابنة «القاعدة» العاق عن كسر شوكتها في الشرق السوري.
خلال الأيام الماضية، لم يبق مسؤول اميركي إلا وحاضر في خطر «داعش». ما زرعه جورج بوش في بلاد الرافدين عام 2003 بدأ يثمر خطراً على حدود حلفاء اميركا وتابعيها في المنطقة. وأمام الواقع المستجد، لم يعد ممكناً قراءة المشهد السوري بأدوات ما قبل «غزوة الموصل». وبناءً على ذلك، خرج اوباما ليقول ما معناه إن القوة الأساسية في المعارضة السورية يتحكّم فيها غير المعتدلين. وغير المعتدلين هم «داعش» وحلفاؤها وخصومها الجدد.
لم يكتف اوباما بما تقدّم. فقد ذكر في تصريح لشبكة «سي بي إس» الأميركية ان إرسال أسلحة أميركية للمعتدلين في سوريا لم يكن ليغيّر الواقع الميداني. ولفت إلى أن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) «استغل حدوث فراغ في السلطة في سوريا لجمع الأسلحة والموارد وتوسيع سلطته وقوته على الأرض».
كلام اوباما تزامن مع اول زيارة يقوم بها مسؤول سوري إلى اوروبا منذ عام 2011 (باستثناء حضور مؤتمر جنيف). المستشارة السياسية والاعلامية للرئيس السوري، بثينة شعبان، زارت العاصمة النروجية أوسلو يومي 18 و19 حزيران بدعوة من وزارة الخارجية النروجية، للمشاركة في الدورة الثانية عشرة لـ«منتدى اوسلو»، وهو لقاء تنظمه وزارة الخارجية بالتعاون مع «مركز الحوار الانساني». وتجدر الإشارة إلى ان شعبان مشمولة بقرارات منع السفر التي أصدرها الاتحاد الاوروبي بحق مسؤولين سوريين، علماً بأن النروج ليست عضواً في الاتحاد. والتقت شعبان خلال زيارتها وزير الخارجية النروجي بورغ برينده والرئيس الأميركي الاسبق جيمي كارتر، ومدير مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني. أما الاجتماع الأكثر لفتاً للأنظار، فكان لقاءها مع مساعد الامين العام للامم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان، مساعد وزير الخارجية الاميركي سابقاً.
هل هذان الحدثان يعنيان تغيير السلوك الأميركي والأوروبي تجاه سوريا؟ من المبكر توقع ذلك، وخاصة أن المؤشرات كانت تدل على حرب طويلة في بلاد الشام لن يهتم الغرب بقدر الدمار والخراب الذي ستخلفه. لكن يصعب القول في الوقت عينه ان ما بعد هجرة الجهاديين المعاكسة من سوريا إلى اوروبا، وما بعد احتلال «داعش» للموصل، سيبقى كما كان قبلهما. باراك اوباما المستعجل قطف ثمار سياسية للضربة التي تلقاها حلفاء إيران في العراق، صار يسمي الأوهام بأسمائها: لا وجود لمعارضة معتدلة ذات تأثير في الميدان السوري.
(الأخبار)