ومع أن المقداد لم يحيّد سيناريو المواجهة العسكرية في إدلب، فهوَ ترك الباب موارباً أمام احتمال التوصّل إلى حلّ سلمي - «لن يتمّ قبل انسحاب الجيش التركي» - قد يكون مشابهاً لحلّ درعا. ولكنّ المقداد أقرّ، في الوقت نفسه، بأن دمشق لن تصبر على مسألة إدلب كصبرها في درعا، حاثّاً تركيا على أن «تنسحب من الشمال الغربي لسوريا، وأن تتيح المجال لحلّ يضمن علاقات طبيعية بينها وبين سوريا بعد زوال هذا الاحتلال»، في إشارة مباشرة إلى الموقف الروسي الرافض بشدّة للوجود التركي في إدلب.
بدا المقداد متفائلاً بقرب عودة سوريا إلى «لعب دورها الطبيعي»
وبخلاف السنوات الماضية، حين كانت لدى إردوغان أوراق عدّة منحته القدرة على التوغّل العسكري في سوريا، يواجه الرئيس التركي، راهناً، ضغوطاً من جهات عدة، سواء روسيا التي دخل معها في صدامات حول ملفات إقليمية ودولية عدة بينها إدلب، أو الولايات المتحدة التي يبدو أنه يبحث عن وسيلة جديدة لضبط علاقته معها من طريق تقديمه عرضاً لشراء 40 مقاتلة من طراز «إف-16» بدلاً من العرض الماضي لشراء 100 طائرة من طراز «إف-35» الذي رفضته واشنطن، الأمر الذي رجّحت وكالة «رويترز»، في تقرير لها، أن يواجَه برفض في الكونغرس.
في غضون ذلك، حظي وفد «الائتلاف السوري المعارض»، الذي يعمل تحت إشراف تركي، والذي زار العاصمة الأميركية قبل نحو أسبوعين، بلقاء جاف لم يخرج بأيّ نتائج، في وقت لقي فيه وفد كردي زار واشنطن في الوقت ذاته ترحيباً أميركياً، وهو ما اعتبره رئيس «الائتلاف»، سالم المسلط، «تمييزاً في أسلوب تعامل الولايات المتحدة مع طرفَي المعارضة». وعلى رغم التصريحات الكردية حول «وعود باستمرار وجود القوات الأميركية في سوريا»، وإعلان «البنتاغون» الإبقاء على حوالى 900 جندي في هذا البلد لمساعدة «قسد» في حربها ضدّ تنظيم «داعش»، ثمّة شكوك حول مدى رغبة واشنطن في إطالة أمد وجودها العسكري في سوريا، خصوصاً بعد انسحابها من أفغانستان، وبدء سحب قواتها المقاتِلة من العراق الذي بدأ يلعب دوراً سياسياً واقتصادياً أكبر في المنطقة، وهو ما يبدو أن أنقرة حاولت استغلاله سعياً إلى ملء «الفراغ» الذي تنتظره في شمال شرق سوريا للتوغّل عسكرياً، وهو ما ردّت عليه واشنطن بتمديد العقوبات عليها. وفي حديثه عن الوضع في شمال شرق سوريا، أكد المقداد قرب موعد استعادة السيطرة على هذه المنطقة، موضحاً أنه «لدينا الكثير من السُّبل التي ستُقنع الأميركيين بالرحيل عن بلادنا». ولكنه أشار، في الوقت ذاته، إلى أن قنوات التواصل مع الأكراد لا تزال مفتوحة، وأنهم «يعرفون الطريق إلى دمشق»، معتبراً أن «عليهم أن يكونوا في البداية سوريين، لا أن يستمعوا أو يرتبطوا بأجهزة غربية». ولم يتطرّق الوزير السوري إلى مسألة الوجود الإيراني في سوريا، كما لم يخُضْ في أيّ تفاصيل تتعلّق بما يشاع عن وجود تفاهمات لانسحابات إيرانية من مناطق محدَّدة، مكتفياً بإعلان تأييد سوريا للحوار بين طهران وعواصم خليجية، ومبدياً استعداد بلاده للعب دور في تيسيره، إنْ تطلّب الأمر.
رسم المقداد بعض خطوط التحوّلات السياسية والميدانية التي تشهدها المنطقة، ودور سوريا فيها، وذكّر، أكثر من مرّة، بفشل السياسيات التي سعت إلى تغيير هيكلية الحكم في بلاده، تاركاً الباب مفتوحاً أمام الدول التي تعادي سوريا لتجاوز هذه المرحلة وإعادة بناء علاقات جديدة. ويمكن ذلك أن يوضح ملامح المرحلة المقبلة من وجهة نظر دمشق، والتي تبدو واثقة من أنها ستشهد تحوّلات ميدانية موازية لتلك السياسية، ضمن خطَّين: الأول يتعلّق بالشمال الغربي والوجود التركي في إدلب بصورة خاصة وفي مناطق انتشار القوات التركية على طول الشريط الحدودي شمالاً بصورة عامة، والثاني بالشمال الشرقي والوجود الأميركي.