منذ التحضيرات الأولى لبدء العمل العسكري في الجنوب، مثّلت حساسية المنطقة الحدودية مع الجولان المحتل تحدياً مهماً، خاصة في ضوء التوتر الإسرائيلي ــ الإيراني، ضمن سوريا، الذي بلغ أوجه حينها. وتأخرت العمليات في تلك المنطقة عن باقي الجنوب، بالتوازي مع جهود روسية واسعة مع الجانب الإسرائيلي، لمنع انزلاق أي توتر، نحو مواجهة واسعة في الجولان. هذا المجهود الروسي، الذي بات ينصبّ على إعادة تطبيق قواعد اتفاق «فكّ الاشتباك ــ 1974»، لم يمنع الجانب الإسرائيلي من الاعتداء المتكرر على الجيش السوري، وبذرائع عدة، تبدأ بالوجود الإيراني ولا تنتهي بـ«اختراق الأجواء الإسرائيلية». أمس، أسقطت صواريخ إسرائيلية قاذفة سورية من طراز «سو 22»، كانت في مهمة قتالية لاستهداف مواقع تنظيم «داعش» في وادي اليرموك. وعلى عكس الادعاء الإسرائيلي بخرق الطائرة «الأجواء الإسرائيلية»، أي الجزء المحتل من الجولان، تؤكد المعلومات الميدانية من الجانب السوري أن القاذفة لم تغادر أجواء سوريا، وأصيبت داخلها، ما أدى إلى استشهاد طيارها، وسقوط حطامها وجثمانه ضمن مناطق سيطرة «داعش». الاستهداف الإسرائيلي لهذه الطائرة، وقبلها لصواريخ سورية كانت في طريقها لضرب مواقع «داعش»، لن يغير احتمالات إمساك الجيش بكامل الحدود مع الجولان المحتل خلال وقت قريب، ولكنه قد يُقرأ كمحاولة فرض واقع، مفاده أن إسرائيل لن تتخلى عن اعتداءاتها داخل الأراضي السورية، برغم تفاهماتها مع الجانب الروسي، وهو ما جهد مسؤولون في حكومة العدو وجيش لتأكيده طوال الفترة الماضية. وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، التأكيد أن الطائرة التي أُسقطت «انتهكت على نحو جسيم» اتفاق «فك الاشتباك»، مشيراً إلى «ضرورة احترام سوريا الشديد لاتفاق فصل القوات بيننا وبينهم»، على حد ما نقلت وكالة «رويترز» عنه.
بحث لافروف وغيراسيموف الملف السوري مع ميركل وماكرون

أما الجانب السوري، الذي لم يُخرج الاعتداء من خانة «دعم الإرهابيين»، فأكد أنه سيتابع عملياته حتى تحرير كامل المنطقة الجنوبية. وهو بالفعل، أحرز أمس، تقدماً لافتاً، في القطاع الشمالي من مناطق سيطرة «داعش»، عبر استعادة 21 قرية ومزرعة، غالبها دخلها التنظيم على حساب الفصائل المسلحة التي خرجت نحو الشمال السوري، وفق اتفاق التسوية. وشهدت معظم البلدات الخاضعة للتنظيم، إلى جانب خطوط إمداده نحو محاور الاشتباك، استهدافاً جوياً ومدفعياً مكثفاً من قبل الجيش السوري. واستمرت المعارك في محيط تل الجموع وتسيل وجلّين، حيث يحاول الجيش السيطرة على التل، بما يسمح بالإشراف على مناطق واسعة، والسيطرة عليها لاحقاً. وبالتوازي مع العمليات هناك، وصلت إلى مناطق سيطرة الفصائل المسلحة في الشمال، الدفعة الثالثة من المرحلين من محافظة درعا، التي تضمنت 908 من المدنيين والمسلحين. وبعد وصول القافلة، ألقت «هيئة تحرير الشام» القبض على عدد من الأشخاص الذين كانوا على متنها، مدعية أنهم كانوا يهدفون إلى «التجسس لمصلحة النظام».
وبدا لافتاً أمس، أن الجانب الروسي أكد أن العملية العسكرية في الجنوب، أتت بعد فشل الجانب الأميركي في الإيفاء بوعوده وفصل «الإرهابيين عن المعتدلين» وفق اتفاق «منطقة خفض التصعيد» هناك، الذي تضمّن أيضاً سحب جميع القوات غير السورية من تلك المنطقة. النشاط الروسي في ملف الجنوب، وتنظيم التوتر مع إسرائيل، ترافق بمشاورات يقودها وزير الخارجية سيرغي لافروف، ورئيس هيئة الأركان فاليري غيراسيموف. فبعد زيارة مفاجئة قاما بها لإسرائيل، بحثا الملف السوري، إلى جانب ملفات أخرى، مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. الملفان الرئيسان في الشأن السوري، اللذان طرحا ضمن النقاش كانا العملية السياسية وعودة اللاجئين. ويأتي ذلك ضمن المبادرة الروسية الواسعة التي تطرح فيها موسكو نفسها لاعباً وسيطاً يحمل أوراقاً مهمة في الملف السوري، بهدف الوصول إلى تفاهمات وتقاطعات مصالح مع الدول الغربية والإقليمية المعنية بهذا الملف، وخاصة في قضية اللاجئين والحل السياسي وإعادة الإعمار ورفع العقوبات عن سوريا. وتزامن ذلك، مع كشف المعارضة السورية عن قائمة مرشحيها لشغل عضوية «اللجنة الدستورية»، التي تضمنت أسماء من إطار «هيئة التفاوض» والمعارضة المقربة من تركيا، بغياب أسماء ممن ترأسوا المشهد المعارض قبل العام الماضي.