اتسمت السنوات الماضية في ميدان الجنوب السوري بمساعدة إسرائيل طبياً ولوجستياً واستخبارياً للجماعات المسلّحة التي تقاتل الجيش السوري، ويدور أغلبها في فلك تنظيم «القاعدة». وحاولت إسرائيل استخدام ورقة رابطة الدم بين الدروز الفلسطينيين ودروز سوريا، لدفعهم إلى الخروج من عباءة الدولة السورية والانقلاب عليها، في إطار تفكيك سوريا إلى كيانات مذهبية.
إلّا أن مجرى الأحداث، وانكشاف الدور الإسرائيلي أكثر فأكثر في دعم المجموعات المسلحة التي تستهدف النسيج السوري، أيقظا لدى جزء كبير من الدروز الفلسطينيين «بديهية» كانت مغيّبة طويلاً، عن أن إسرائيل لا تقدّم شيئاً على مصلحتها، ومصلحتها الآن تقتضي دعم مسلحي «القاعدة» للاستمرار في قتال الجيش السوري وحزب الله، وتحييد الخطر الذي يشكّله هؤلاء عند حدود الجولان الشمالية، بغضّ النظر عن الكلام الإسرائيلي المعسول عن «الأُخوّة » بين اليهود والدروز.
وبدل أن «تجرّ» إسرائيل دروز سوريا إليها عبر ورقة دروز فلسطين، انقلب السحر على الساحر، فلحق جزء كبير من دروز فلسطين بوجهة نظر دروز سوريا للصراع مع الجماعات المسلحة ودور إسرائيل في دعمها، في تحوّل منطقي نظراً إلى مركزية وجود طائفة الموحّدين الدروز في سوريا بالنسبة إلى دروز المنطقة بشكلٍ عام، وممارسات الجماعات الإرهابية.
وزاد الطين بلّة في الأيام الماضية وضوح السياسة الإسرائيلية تجاه التعامل مع قرية حضر المقابلة لبلدة مجدل شمس المحتلة، لجهة السماح لمسلّحين من «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ــ جبهة النصرة» و«جبهة أنصار الإسلام» في بلدة جباثا الخشب الملاصقة للشريط العازل مع الجولان المحتل باستخدام الأسلحة الثقيلة من الدبابات وقذائف الهاون لاستهداف حضر، علماً بأن جباثا تقع ضمن المنطقة المنزوعة السلاح التي تحرص إسرائيل على عدم إدخال هذه الصنوف من الأسلحة إليها إذا كانت في حوزة الجيش السوري أو أهالي حضر، بينما تسمح لمسلحي «القاعدة» باستخدامها، فضلاً عن تعرّض مجموعات مسلحة من أهالي ومشايخ حضر لرصاص الرشاشات الإسرائيلية الثقيلة من موقع مرصد جبل الشيخ الشرقي، خلال محاولتهم الالتفاف على مسلّحي «النصرة» و«جيش حرمون» الموجودين في بلدة بيت جن على سفح جبل الشيخ. وبدا واضحاً الدفع الإسرائيلي لتهجير أهالي حضر على أيدي الجماعات المسلحة، فالبلدة تشكّل العائق الأخير أمام حزام أمني تشكّله مجموعات «القاعدة» حول غلاف الجولان المحتل، ويشكّل ركيزة مستقبلية لقتال حزب الله في المقلب الغربي من جبل الشيخ وتهديد حاصبيا وراشيا وعمق الجنوب اللبناني.

مندي الصفدي
اتصل بقائد
العمليات في «الحر» لـ«تهدئة خاطره»

وفي ظلّ الحراك الشعبي الكبير في قرى الجليل والكرمل (الذي غذّته بدايةً مراكز قوى درزية قريبة من الحكومة الإسرائيلية) والجولان، تضامناً مع دروز حضر والسويداء وجبل السماق في ريف إدلب بعد مجزرة قلب لوزة التي ارتكبتها «النصرة»، استمرت إسرائيل في الدعم العلني للجماعات المسلحة، ونقل جرحاها من المشافي الميدانية على حدود الجولان المحتل إلى الداخل الفلسطيني عبر القرى التي يقطنها الدروز. وظهر في القناة الثانية العبرية ليل الأحد الماضي تقرير مصوّر حول مقاتلين من الجماعات الإرهابية يتلقون العلاج في مشافٍ إسرائيلية، ويتوعّدون فيها الدروز وغيرهم من السوريين بالقتل فور شفائهم وعودتهم إلى القتال، مؤّكدين «حسن المعاملة» التي تلقوها من الجيش الإسرائيلي. وبدت خطوة نشر التقرير مكتملة لجهة تطبيع العلاقات بين إسرائيل والجماعات المسلحة، لكن «غير محسوبة» من الرقابة العسكرية الإسرائيلية تجاه ردود فعل الدروز الفلسطينيين وأهالي الجولان على التعاون الإسرائيلي مع المسلحين، الذين يقتلون إخوانهم خلف الحدود الوهمية.
ولا يبدو حديث إسرائيل عن «مؤامرة» تقودها سوريا وحزب الله أدت إلى اعتراض أهالي بلدة حرفيش قبل يومين سيارة إسعاف عسكرية إسرائيلية تقل جرحى من «النصرة» وأصيب على إثرها الشيخ أبو حمد يوسف شروف، واعتراض أهالي مجدل شمس ليل أول من أمس لسيارة إسعاف أخرى وقتل واحد من جريحين من «النصرة» كانا بداخلها، مقنعاً بالنسبة إلى الدروز الفلسطينيين الذين انقسموا في اليومين الماضيين بين الداعي إلى التهدئة والداعي إلى التصعيد، في ظلّ إصرار الجيش الإسرائيلي على الاستمرار في استقبال جرحى المجموعات المسلّحة.
وأمنت القيادات الدرزية الموالية للحكومة الإسرائيلية في فلسطين المحتلة الغطاء لأي تحرك إسرائيلي ضد أهالي مجدل شمس، ورفع الغطاء الواضح كان من شأنه التسبب بتحويل في المقاربة الإسرائيلية تجاه «الحادثة»، من الدعوة إلى «تهدئة الخواطر» والاكتفاء بتوصيف الوضع بأنه «خطير جداً»، كما ورد بداية على لسان رئيس الحكومة بينامين نتنياهو والمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إلى الدعوة لتنفيذ سلسلة من الاعتقالات ومحاسبة «القتلة» على لسان المسؤولين الإسرائيليين لاحقاً.
وحسب تعبير نتنياهو: «سنعثر على منفذي الهجوم ونحاكمهم». وهذا التحول جاء في أعقاب مواقف وتصريحات أطلقتها قيادات درزية محسوبة على دولة العدو، رمت إلى رفع الغطاء عن المنفذين، إذ طالب الرئيس الروحي للطائفة، الشيخ موفق طريف، «سلطات القانون بالتدخل والعمل ضد المخلين بالنظام الذين ارتكبوا الجريمة البشعة»، فيما وصف نائب وزير التعاون الإقليمي في الحكومة، أيوب قرا، المنفذين بأنهم «أدوات لدى النظام السوري وحزب الله»!
مساعد قرا، والمسؤول عن «قناة الاتصال » مع المسلحين في سوريا، مندي صفدي (اسمه الحقيقي منذر، وهو من أهالي مجدل شمس لكنّه أُبعد من القرية على خلفية علاقاته بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية)، حمّل منفذي «الاعتداء» على جرحى سيارة الإسعاف مسؤولية ما سمّاه «فتح الباب أمام الشيطان» ضد الدروز في سوريا. وقال في تصريح إلى موقع «واللا» العبري «إذا كان هناك اتفاق على عدم الهجوم على حضر مع الجيش السوري الحر، فاليوم بات هذا الاتفاق ملغى، ولا يلزمهم بشيء». وأكد أنه اتصل بقائد العمليات في «الحر» وحاول تهدئة خاطره، و«معجزة فقط ستمنع يوماً صعباً جداً على قرية حضر».
وكان «قادة الطائفة الدرزية» في فلسطين المحتلة، كما أشارت الإذاعة العبرية، قد تداعوا إلى اجتماع خاص في مقام النبي شعيب قرب طبريا، واتفقوا على «القيام بحملة توعية في البلدات الدرزية لتوضيح خطورة هذه الأفعال التي تلحق ضرراً كبيراً بالطائفة». من جهته، قال وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعلون، إنه سيجري التعامل مع «إعدام الجرحى».