رغم مواقف وتصريحات تل أبيب وتأكيدها أن الجيش الاسرائيلي لن يتدخل عسكريا في مجريات الحرب الدائرة في سوريا، الا ان متابعة ما يصدر عنها اخيرا، يدفع الى التساؤل حول إمكان التدخل العسكري، بذريعة حماية مزعومة للدروز السوريين.البارز في الفترة الاخيرة، تظهير عمدي لقلق اسرائيل إزاء مصير البلدات الدرزية في الجولان، مع اشارة تل ابيب الى ان هذا القلق، قد يدفعها الى اعادة دراسة خياراتها، ومنها الخيار العسكري المباشر. فهل اسرائيل في مرحلة الاعداد للتدخل الفعلي، ام انها تهيّئ الارضية لتدخل ما مستقبلا ــ في حال تغيرت الظروف ــ يُعمل من الآن على إظهاره بأنه دفاع عن الدروز السوريين؟ يبدو ان الامور لم تنضج بعد، بحسب ما صدر اخيرا عن العدو.

ضابط رفيع المستوى في الجيش الاسرائيلي نفى في حديث للقناة الثانية العبرية، أول من أمس، ما يتردد عن خطة اسرائيلية للتدخل العسكري في سوريا لحماية الدروز السوريين، بمعنى الدخول البري واحتلال اراض. وقال ان اسرائيل تفضل إبقاء الوضع القائم دون تدخل عسكري. ولفت إلى أنه «في حال قرر الدروز الفرار باتجاه الحدود الاسرائيلية، فلن نسمح لهم بدخول اراضينا، لكن قد نعمد الى تأمين مناطق محددة لاستقبالهم، إنما ضمن الحدود السورية».
مع ذلك، اكد قائد سلاح الجو الاسرائيلي، امير ايشل، قبل ايام، انه «اذا طُلب منا ان نساعد الدروز في سوريا، فسلاح الجو يعرف كيف يفعل ذلك». لكنه شدد في المقابل على أن «اسرائيل همّها الدفاع عن نفسها، ولا تتدخل في الاحداث الجارية في المنطقة، وخاصة في الحرب السورية. وهي ستتدخل حصراً في حالة تهديد مصالحها وامنها».
وعُدّت رسالة ايشل، التي اريد لها طمأنة الدروز في فلسطين المحتلة حول مصير اخوانهم في سوريا، إعادة تأكيد من قبل ضابط رفيع المستوى في جيش الاحتلال، بان تحرك تل ابيب العسكري لن يكون الا وفقا للمصالح الاسرائيلية مهما كانت الاسباب والوقائع في الجانب الثاني من الحدود مع الجولان المحتل.
وفي اليومين الماضيين، عادت تقارير عبرية للتحذير من «الخطر الداهم» على الدروز السوريين، بعد احراز تنظيم الدولة الاسلامية – داعش، تقدما ملحوظا في عدد من البلدات في جنوب سوريا، الأمر الذي يشير بحسب هذه التقارير، الى اقتراب الخطر من الدروز، ما يستتبع اعادة دراسة الخطر وسبل مواجهته بصورة مغايرة عما يجري حاليا.
وتبدو المقاربة الاسرائيلية لما يسميه الاعلام العبري بـ»الخطر على دروز سوريا»، إعادة تفعيل لاستراتيجيا تل ابيب القديمة باستغلال التناقضات من حولها، من خلال التدخل الظاهر لمصلحة طرف ما، تعرض عليه الحماية، كتوطئة لتحقيق المصالح الاسرائيلية، الامنية والسياسية من خلال هذا التدخل. والسوابق الاسرائيلية في لبنان ما زالت حية في الذاكرة. والثابت انه على مفترق الطرق تتخلى اسرائيل عن «حلفائها» وأتباعها، رغم دفاعهم عنها.
وفي الساحة السورية، اشتغلت اسرائيل ضمن هذه الاستراتيجيا على عدة مستويات. وإن كان الدروز اخر انشغالات العدو في هذا المجال، الا انهم لن يكونوا الاخيرين. فقد اظهرت تل ابيب طوال العامين الماضيين، على اقل تقدير، «عطفا وحناناً» مبالغاً فيهما تجاه شرائح من الشعب السوري والحركات والتنظيمات المسلحة على اختلافها. بل ووصل الامر الى حد تقديم الدعم لتنظيمات تصنفها تل أبيب إرهابية، من بينها تنظيم القاعدة في بلاد الشام – جبهة النصرة، وهو ما ادى الى ما يشبه الاتفاق، خلال السنوات الماضية، على تكفل هذه القوى بمنع شن عمليات ضد جيش الاحتلال الاسرائيلي، على طول الحدود مع الجولان المحتل.
هذه المرة، نتيجة تعاظم خطر «داعش» و»النصرة» على الدروز في سوريا، تراهن اسرائيل على أن يدفع هذا الخطر بعض الدروز الى احضانها، طلبا للحماية الاسرائيلية. واذا اقتضت مصلحة تل ابيب بأن تتدخل عسكريا في سوريا، اقله في المنطقة الجنوبية والمناطق القريبة من الحدود، فلا بأس ان يجري إلباس هذا التدخل حلة الدفاع عن الدروز السوريين.
وآخر «التحضيرات» الاسرائيلية لهذا التدخل، إن تقرر بالفعل في مرحلة ما ضرورة التدخل تحقيقا للمصالح الامنية الاسرائيلية، جاء أمس عبر تقارير عبرية ظهّرت بشكل لافت ما سمّته «مناشدات الدروز في اسرائيل، لمساعدة اخوانهم الدروز في سوريا».
بحسب «الفضائية الاسرائيلية»، ناشدت قيادات درزية دينية وسياسية، ومن بينهم اعضاء كنيست حاليون وسابقون من الدروز، اضافة الى ضباط في الاحتياط من الطائفة، «ناشدت الحكومة الاسرائيلية تقديم الدعم والمساندة للدروز في سوريا، وإفساح المجال أمام اخوانهم في اسرائيل لتقديم المساعدة اللازمة لهم». وبحسب القناة، «يرغب الدروز في مد اليد والمساعدة المالية والانسانية لاخوانهم في سوريا، كما لا يمكن التفصيل أكثر عن انواع أخرى من المساعدة يطلبها الدروز».
واشارت القناة الى ان «القيادات الدرزية في اسرائيل تداعت الى اجتماع طارئ لبحث الموضوع، ومناشدة الحكومة الاسرائيلية للمسارعة في التدخل وايجاد حلول وامكانات لدفع الخطر عن دروز سوريا. كما ان هناك «دائرة من الجهد لدى القيادات الدرزية الاسرائيلية، للتحرك باتجاه سفراء دول اجنبية معتمدين في إسرائيل، لحث التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة الاسلامية»، على قصف قواته لمواجهة إمكان تمدده في منطقة جبل الدروز».
لكن ماذا عن الرد الاسرائيلي الرسمي؟ تشير القناة الى ان وزارة الامن والمؤسسة العسكرية في اسرائيل، ما زالتا تدرسان الطلبات، وحتى الآن لم يصدر عنهما اي رد «شافٍ على مطالب الدروز في اسرائيل».