تتسارع تبعات انهيار اتفاق «الهدنة» ومن خلفه المحادثات الأميركية ــ الروسية، بشكل يوحي بأن البلدين كانا يُعدّان ليوم فشله مسبقاً. فبعد يوم واحد على إعلان واشنطن تعليق محادثاتها مع موسكو حول سوريا، بدأت تسريبات إعلامية تتحدث عن دراسة البيت الأبيض لخيارات تتضمن تنفيذ ضربات محدودة ضد مواقع للجيش السوري، بالتزامن مع إعلان روسي عن وصول منظومة صواريخ «اس 300» إلى سوريا. وبرغم تصريحات مسؤولي البلدين عن ضرورة عدم التخلي عن المساعي الهادفة إلى حل سلمي في سوريا، تدلّ المعطيات على أن الطرفين يستعدان لتصعيد ميداني جديد، قد يدفع واشنطن إلى الانخراط «المباشر» ضد الجيش السوري وحلفائه، تحت ضغط المقترحات التي يدفعها خبراء وزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية إلى طاولة البيت الأبيض. ووفق ما نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن أحد المسؤولين الأميركيين الذين حضروا اجتماعاً في البيت الأبيض لوكالات الأمن القومي الأربعاء الماضي، فقد جرى نقاش بشأن «تنفيذ غارات محدودة ضد النظام السوري، لإجباره على دفع ثمن التصعيد والعنف... ودفعه للعودة إلى طاولة المفاوضات». وأوضح أنه في الاجتماع الذي ضمّ لجنة النواب في البيت الأبيض، ومسؤولين من وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية وهيئة الأركان المشتركة، طُرح «استهداف مدارج الطيران السوري الحربي، باستخدام صواريخ (كروز) أو عبر أسلحة أخرى بعيدة المدى من طائرات (التحالف الدولي) أو سفنه». وتطرق النقاش أيضاً إلى «واحدة من الطرق المطروحة للالتفاف على اعتراض البيت الأبيض استهداف نظام (الرئيس بشار) الأسد من دون قرار من مجلس الامن الدولي، وهي تنفيذ ضربات سرية دون اعتراف علني» من الجانب الأميركي. وقال المسؤول للصحيفة إنّ «هناك مزاجاً عاماً لإجراءات أكثر فعالية (حركية)» ضد دمشق، مضيفاً أن «وكالة المخابرات المركزية وهيئة الأركان المشتركة، تعتبران أن سقوط حلب سيقوض الجهود الأميركية لمكافحة الإرهاب». الطرح الأميركي باستخدام صواريخ بعيدة المدى، قد يوضح سبب الإعلان الروسي لوصول منظومة «اس 300» القادرة على استهداف الطائرات الحربية إلى جانب الصواريخ البعيدة المدى مثل «كروز».
طُرح استهداف مدارج الطيران وتنفيذ ضربات سرية دون اعتراف
وبالتوازي مع تبلور الخيارات الأميركية الجديدة، يتواصل سعي واشنطن إلى إيقاف الاندفاعة الميدانية لدمشق وحلفائها في مدينة حلب، عبر قرار من مجلس الأمن الدولي. ومع مواصلة فرنسا طرح مشروع قرار لوقف إطلاق النار في حلب، بدا لافتاً حديث المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة زيد بن رعد الحسين، عن «تقييد حق الفيتو» للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بشأن القرار الخاص بمدينة حلب، وهو ما لقي معارضة روسية واضحة، أبداها المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف. وأشار إلى أن بلاده «لن تتخلى عن خطط مكافحة الإرهاب ودعم الحكومة السورية»، معرباً عن أمله في أن تتحلى واشنطن «بالحكمة السياسية... وتواصل اتصالاتها معنا في المجالات الحساسة جداً والضرورية لصيانة السلام والأمن».
وفي سياق متصل، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن الولايات المتحدة في وضع لا يسمح لها بالوفاء بالتزاماتها حول سوريا، بسبب الخلافات الموجودة داخل إدارتها حول الشأن السوري. وأضاف أنه يبدو أن «الجناح المعارض لإيجاد حل سياسي، والساعي بوضوح إلى تنفيذ سيناريوهات عسكرية، قد نجح». واتهم واشنطن بـ«عدم الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالإبقاء على طريق الكاستيلو في حلب مفتوحاً لإيصال المساعدات الإنسانية»، إضافة إلى تنصلها من «فصل المعارضة المعتدلة عن المجموعات الإرهابية»، مشيراً إلى أن بلاده ستواصل «بذل جميع الجهود لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي».
ومن جهة أخرى، أكّد وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أن بلاده «ستواصل السعي إلى إحراز تقدم من أجل إنهاء الحرب» في سوريا، عبر الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن. وهاجم دمشق وموسكو، اللتين «رفضتا الديبلوماسية من أجل مواصلة انتصار عسكري»، مضيفاً أن واشنطن «لم تعلق جهود تنسيق التحركات، لتجنب التصادم بين جيوشنا والجيش الروسي بشكل يقوي معركتنا ضد داعش». وأضاف أنه «كما في السابق سنواصل السعي إلى وقف دائم للأعمال القتالية عبر كل أنحاء البلاد يشمل إبقاء المقاتلات الروسية والسورية على الأرض في مناطق معينة».
وكانت وزارة الخارجية الروسية قد رأت أن قرار تعليق قنوات الاتصال يدل على استعداد واشنطن لعقد «صفقة مع الشيطان» من أجل إسقاط الحكومة السورية. وذكّر بيان للوزارة بأن «واشنطن لم تدعم جاهزية موسكو لإعلان هدنة جديدة مدتها 72 ساعة في حلب... كذلك اعترض الجانب الأميركي على سحب القوات الحكومية وقوات المعارضة من طريق الكاستيلو، على الرغم من وجود بند مدرج بهذا الشأن». وأضاف أن «الولايات المتحدة لم تمارس قط ضغوطاً حقيقية على النصرة، بل عارضت مرة بعد أخرى أي محاولة روسية لإيقاف هجمات هذا التنظيم».
ومن جانبه، دعا المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة والرئيس الحالي لمجلس الأمن فيتالي تشوركين، إلى عدم تصوير الخلافات بين موسكو وواشنطن على أنها «كارثية»، معرباً عن أمله في «عدم تكرار الحرب الباردة». ورأى أنه «ما زالت هناك إمكانية لاستئناف الحوار في إطار الأمم المتحدة، ولا سيما بين مندوبي روسيا والولايات المتحدة والأعضاء الآخرين في مجلس الأمن».
إلى ذلك، أعلنت فرنسا أنها تعمل مع أعضاء مجلس الأمن على صياغة مشروع قرار يهدف إلى «إنهاء العنف في حلب»، بالتوازي مع حديث المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، عن قناعته بأنه لا تزال «توجد لدينا عناصر لمواصلة المفاوضات. ويجب علينا أن نركز على الجانب الإنساني بنحو رئيسي». وأشار إلى أنه «لا يجب تعليق آمال كبيرة على حدوث قفزة في سوريا بعد الانتخابات الأميركية» المقبلة.




بحث نشر قوات دائمة

أعلن رئيس لجنة الشؤون الدولية التابعة لمجلس الاتحاد الروسي قسطنطين كوساتشوف، أن المجلس سينظر في مشروع لنشر قوات روسية «بشكل دائم» في سوريا، إذا صدّق مجلس النواب على القرار. وقال في حديث لوكالة «نوفوستي» الروسية إن «مجلس النواب سيناقش الوثيقة يوم الجمعة... وسننظر فيها إن أقرت، خلال اجتماع للجنة المجلس في العاشر من الشهر الجاري ليجري تقديمه إلى جلسة عامة للمجلس في 12 من الشهر نفسه».
(الأخبار)