«ارتفع الدولار». لم يعد الخبر جديداً على السوريين، بل صار دائم الحضور في أحاديثهم وبشكلٍ يفوق أخبار المعارك والتفجيرات وكل ما يتعلّق بها. وإذا كان الشارع قادراً حتى الآن على مراوغة خوفه وقلقه من مستقبل الحرب وتطوراتها، فإن الوضع مختلف لدى الحديث عن التدهور المستمر في القدرة الشرائيّة للنسبة العظمى من المواطنين. وبات ارتفاع سعر «الأخضر» أشبه بـ«غول» يهدّد بابتلاع ضعف ما ابتلعه اليوم بمجرّد قدوم «الغد». والمفردة هنا لا علاقة لها بالمجاز وليست كناية عن المستقبل، بل تعني «بُكرة» بحرفيتها. «اشتريت علبة حليب للصغيرة تاني يوم سمعت إنو الدولار جن. قلت لحق حالي وإشتري علبة تانية قبل ما يرتفع سعر الحليب» يقول عادل، ويضيف ضاحكاً «الله وكيلك أقل من 24 ساعة بس لقيت سعرها زايد 15%». يؤكّد الرجل الذي يعمل موظّفاً في إحدى الدوائر الحكومية أنه بمجرد عودته إلى المنزل أجرى مقارنةً بين العلبتين «نفس تاريخ الإنتاج، ما في شي تغيّر غير السعر».
عم يطعموا الدجاجات دولار بدل العلف!
لا يحتاج الأمر إلى ذكاء كبير أو تحليلات اقتصاديّة لمعرفة السبب، فمع كل ارتفاع في سعر صرف الدولار دأب معظم التجار والباعة على رفع أسعار السلع تلقائيّاً وبنسب تفوق نسبة تبدل سعر الصّرف، ينطبق ذلك على باعة المفرّق قبل تجّار الجملة. ليتحوّل انخفاض قيمة اللّيرة المتتالي إلى ذريعة جاهزة دائماً يستخدمها الباعة للتحكّم بالمُستهلك، من دون أن يُغيّر في الأمر شيءٌ مصدر السلعة أو تاريخ إنتاجها. «أخي فهمنا إنو البضاعة المستوردة بتغلى مع غلا الدولار، طيب شو علاقة باقة البقدونس بالدولار؟» تقول أم جعفر، إحدى السيدات في سوق أوغاريت الشعبي في اللاذقية. لا ترى السيدة في الحديث عن ارتفاع أسعار الوقود والنقل مبرّراً منطقيّاً لارتفاع الأسعار الفاحش. تقول لـ«الأخبار» بلهجة أقرب إلى الصراخ «غلا الدولار شي وغلا كلفة النقل شي تاني، ما سمعنا إنو غلي البنزين والمازوت عن جديد». تأخذ السّيدة نفساً طويلاً، وتضيف «أنا معلمة متقاعدة خدوني على قد عقلي، بيرتفع الدولار 10 ليرات ما منلاقي غير طبق البيض ارتفع سعرو 100 ليرة، وين المنطق؟ يعني هي ما بتزبط إلا إذا كانوا عم يطعموا الدجاجات دولار بدل العلف». ولا يُعتبر رفع سعر البضائع عشوائيّاً الشكل الوحيد من أشكال الفلتان الذي تعيشه الأسواق، ثمّة كثير من الظواهر اللافتة التي تتضافر لتكريس «قانون» واحد ثابت خلاصتُه «بين البايع والشاري يفتح الله». وعلى سبيل المثال، فإن جولة صغيرة في أحد أسواق الخضر ستكون كفيلة بالوقوف على تباينات هائلة في أسعار السلعة الواحدة بين بائعين متجاورَين. ينادي أبو محمد على بضاعته من الكرز بسعر 400 ليرة للكيلو الواحد، وعلى بعد خطوات منه يعرض جاره الكيلو الواحد بسعر 600 ليرة. «الظاهر جارك بضاعتو أحسن»، نقول لأبو محمد الذي يرد بعصبيّة «روح اشتري من عندو، الله وكيلك اشتريناهم سوا من سوق الهال، نفس البضاعة ومن نفس التاجر». نسأله عن سبب هذا الفارق الكبير في السعر، فيجيب «أخي كل واحد بيبيع حسب ما يناسبو، ما خصني بغيري، بدك تشتري أو لأ؟». نقطع الأمتار القليلة بين البائعين، ونحاجج البائع الثاني «اشترينا من عند أبو محمد أرخص من هيك»، فيرمقنا باستعلاء ويقول: «أنا بيّاع الباشوات وسعري غالي، خلي الدراويش لأبو محمد ما بدي ياهن». تقود هذه المفارقة إلى جملة من التداخلات والتعقيدات التي أفرزتها «سياسة تحرير الأسعار» منذ أن بُشّر الشارع السوري بـ«اقتصاد سوق» سينقل البلاد «من اقتصادها التقليدي نحو الاقتصاد العالمي»... قبل أن تتحوّل أسواق البلاد أخيراً إلى «شركة» تتحاصصُها حيتان مال ومافيات من مختلف الأنواع يتغنّى بعضها بـ«صمود الوطن والمواطن في وجه المؤامرة الكونيّة».
«خوازيق» على الطريق

شهدت أسواق معظم المحافظات السورية خلال الأسبوع الأخير ارتفاعاً في أسعار معظم السلع وبنسبٍ متفاوتة، وفيما ارتفع سعر الحليب والبيض بمقدار 5% ارتفع سعر الأرز والسكّر بما يقارب 30%. وإذا كان هذا الارتفاع «غير مقونن» رسميّاً وخاضعاً لقوانين السوق، فإنّ الأمر مختلفٌ في ما يخصّ أسعار السندويش والوجبات السريعة. وخلال اجتماع عُقد أمس مع ممثلين عن غرف السياحة وجمعية حماية المستهلك والجمعية الحرفية للفنادق، أقرّت «لجنة التسعير المركزيّة في وزارة السياحة» تعديل أسعار السندويش في مطاعم الوجبات السريعة بنسبة «تتراوح بين 75 و100 بالمئة عما كانت عليه في القرار السابق الصادر عام 2014 مع إضافة نسبة 25 بالمئة كبدل خدمة الزبون الذي يتناول السندويش داخل المنشأة». الاجتماع ذاته أقرّ زيادة أسعار «بدل الخدمات المقدمة في منشآت مبيت النجمة الواحدة بمعدل 255 بالمئة عن الأسعار الواردة في قرار عام 2010، كما اعتمدت النسبة ذاتها لتسعير بدل الخدمات في منشآت نجمتين فما فوق»، وفقاً لما نقلته وكالة «سانا».