حالما ترى صورة النادل الكهل بسترته السوداء وفيونكته حاملاً صينية بكؤوسها وفناجين قهوتها الفارغة، محاطاً بزبائن المقهى، لن يخطر في بالك احتمال آخر غير المدينة الآسرة إياها: «باريز». كان المصوّر الأميركي ساول ليتر بارعاً في القبض على تلك اللحظة من خلف باب المقهى، حيث يرتدي الناس ثياباً شتوية كما يتناسب مع برد كانون الثاني (يناير). الصورة هي الأولى في روزنامة طبعتها أخيراً دار النشر الألمانية «تاشن» (تصميم رالف شرودر وشركة «غرافيك ديزاين» الألمانية). تمثل روزنامة باريس 2015 واحدة من مجموعة كبيرة أصدرتها الدار لمدن كثيرة كنيويورك ولندن، لكن هذه الروزنامة ذات بصمة نوستالجية لعاصمة الأنوار. مثلاً، زيّنت شهر شباط (فبراير) صورة التقطها الروسي بوريس ليبنيتزكي عام 1936 للأيقونة الفرنسية إديث بياف بعينيها البنيتين وابتسامتها الرقيقة مع الأوكارديون. ولأيار (مايو) صورة لم يُعرف مصوّرها، تعبّر عن ربيعه حيث يخرج الناس للتنزّه.
هذا ما نراه بالأبيض والأسود في لقطة للمستلقين على العشب والمتنزّهين في حديقة «بوا دو بولون» في أواخر الثلاثينيات. واختار المصممون لشهر حزيران (يونيو) أطفالاً يركضون في شارع نانت الباريسي، الذي زُيّن في عيد الاستقلال الفرنسي. الصورة بكل ما تحويه من أزياء الناس وتسريحات الشعر وطراز السيارات خمسينية بامتياز. الجميل فيها ابتسامة رجل أربعيني وامرأة مسنّة لعدسة الفرنسي روبير دوانو. أما لمحبّي بريجيت باردو، فسترافقهم صورتها طوال شهر تموز (يوليو) وهي على أحد سطوح البيوت الباريسية. تقف نجمة الإغراء الراحلة بقدّها الأهيف واضعةً يديها على خصرها وخلفها مداخن البيوت وقرميدها بالأبيض والأسود. التقط لها الصورة والتر كارون عام 1967 لمجلة «باريس ماتش». أما شمس آب (أغسطس)، فلا يخفف من حرّها سوى السباحة والتمدّد تحت أشعتها على مياه نهر السين. يظهر المستمتعون بها في صورة للألماني والتر درايزير بين 1942 و1944 في المسبح الباريسي الشهير The Deligny الذي انهار في ظروف غامضة عام 1993. وكما باريس المغرية دائماً، تقف امرأة لا يظهر منها سوى حذائها العالي في صورة شهر أيلول (سبتمبر). وبين قدميها ترى برج إيفل ورجلاً يسير إلى وجهة ما. صورة ذكية وفريدة التقطها عام 1974 الإيطالي فرانك هورفات الذي افترش الأرض لالتقاطها. ولعاصمة الموضة لقطة لعارضات ماركة «ديور» في ساحة فاندوم وضعت لشهر تشرين الأول (أكتوبر) بعدسة مصور الحرب الهنغاري روبيرت كابا. شهر تشرين الثاني (نوفمبر) له صورة فريدة لعاشقين تحت مظلة أمام قوس النصر. يضع الرجل قبلة على جبين حبيبته في ليل ماطر من عام 1959 للأميركي ثوماس نيبيا قبل أن ترفع الفنانة كيكي دو مونتبارناس كأس نهاية عام 1932 مع رفاقها «تشيرز!» محتفلين ببداية العام الجديد في صورة شهر كانون الأول (ديسمبر).
وتنتهي الروزنامة مع الصورة الشهيرة للفرنسي هنري كارتييه بروسون التي تجمع امرأتين: الأولى شابة والثانية عجوز تجلسان في مقهى. تنظر المسنّة إلى الشابة فيما الاثنتان تحملان الصحيفة. أما صورة الغلاف الخلفي للروزنامة، فلعاشقين يدنو فيها الرجل من أذن حبيبته هامساً فيها في الـ Bastille وتبدو باريس أمامهما للفرنسي ويلي روني.
الروزنامة تجمع أيقونات باريسية تمثل ألبوماً غالياً لعشّاق المدينة الساحرة، وتأريخاً لمحطات وأمكنة تطبع هويتها. برعت الدار الألمانية في تجميع تلك الصور التي تعرّف عن المدينة وتاريخها الغني. تتوافر في المكتبات اللبنانية بسعر جيّد، كما يمكن قص الصور بعد نهاية العام وتعليقها.