أرادت ألمانيا باستضافتها كأس أمم أوروبا قبل أسابيع أن تستعيد جزئياً ذكريات مونديال 2006، عندما جعلت كأس العالم من برلين وضواحيها «حكاية صيفٍ خيالية». تكمن المفارقة بأن «دويتشلاند» صَبَت من خلال «اليورو» إلى تحريك اقتصادها الراكد منذ أشهر بالدرجة الأولى، على نقيض هدفها السابق حين استخدمت كرة القدم كقوة ناعمة لإظهارها إلى العالم وجهاً جديداً يعاكس ظلال ماضيها.

عليه، سوّقت «الماكينات» لكفاءتها «الخارقة» في تنظيم البطولات الكبرى، مستعرضةً بنى تحتية «مثالية» قبل انطلاق أمم أوروبا 2024 مع مجاهرتها في استعداداتٍ عسكرية مطمئنة للزائرين، لكن سمعة البلاد فُضحَت منذ الجولة الأولى لدور المجموعات وصولاً إلى أعتاب الدور ربع النهائي (يبدأ اليوم).


ألمانيا التي راشقت سابقاً، ولا تزال، دولاً عديدة استضافت أحداثاً كروية كبرى في أفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من المناطق «غير البيضاء»، لم تأخذ في الاعتبار أن يأتي يوم وتُرشق فيه بنيتها «الزجاجية».

التحضيرات ليست «خارقة» في «اليورو»، وليست مميزة حتى. صعوبات كبيرة تواجهها الجماهير الحاضرة على الأراضي الألمانية في مختلف الحقول، ما جعل البعض يصف البطولة بـ«الكابوس».

عشرات آلاف المشجعين «فُعِسوا» في محطات النقل العام، كما حصل للجمهور الإسباني والإيطالي في محطة «ترام أرينا أوف شالكه»، وآخرين في ميونيخ وكولونيا... حيث كان التأخير غير المبرر مصدراً رئيسياً للإحباط. وانسحب التخبط إلى الملاعب أيضاً، ما زاد إحباط المشجعين.

لم يتمكن مسؤولو الملاعب من التعامل بشكل جيد مع هطول الأمطار الغزيرة في بعض المباريات. خلال مواجهة تركيا وجورجيا في دورتموند مثلاً، تم تأخير المباراة واضطر القائمون على الملعب للتدخل من أجل تصريف المياه عبر وسائل يدوية، وسط ذعر الجماهير.
ألمانيا التي راشقت سابقاً، ولا تزال، دولاً عديدة استضافت أحداثاً كروية كبرى في أفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من المناطق «غير البيضاء»، لم تأخذ في الاعتبار أن يأتي يوم وتُرشق فيه بنيتها «الزجاجية»


المشاكل لم تؤثر بالجماهير فقط، بل طاولت اللاعبين أيضاً الذين عانوا الأمرّين من رداءة العشب في أغلب الملاعب.

أرضية بعض المنشآت عبارة عن فوضى حقيقية، تسببت تباعاً في مشاكل مختلفة للاعبين. بعض القيّمين على الرياضة الألمانية عزوا الأمر إلى استضافة مدينة فرانكفورت مباراتين في دوري كرة القدم الأميركية أواخر عام 2023: كانساس سيتي تشيفز ضد ميامي دولفينز، ثم نيو إنغلاند باتريوتس ضد إنديانابوليس كولتس، على نفس الأرض في فترة قصيرة، تلاها استضافة مباريات في «البوندسليغا»، ما صعّب عملية تعافي العشب.

حجة واهية تسقط أمام رداءة عشب ملاعب ألمانية أخرى، مثل ملعب فولكسبارك في هامبورغ، دون إغفال اضطرار منتخب سويسرا إلى الانتقال من مرافقه التدريبية بعد موت العشب إلى منشأة أخرى في شتوتغارت...

كان لافتاً أيضاً عدم قدرة الألمان على احتواء «النعرات» السياسية في بطولة «يورو» الجارية، تحديداً عبر الجماهير البلقانية لدول صربيا وجورجيا وكرواتيا وألبانيا، التي أمطرت مباريات البطولة بهتافات ولافتات كراهية وأعمال شغب، دون إغفال قيام المدافع التركي مريح ديميرال برفع يده في إشارة «الذئاب الرمادية» الخاصة بمجموعة من اليمين المتطرف في تركيا أثناء احتفاله بتسجيله هدفي بلاده أمام النمسا.

صحيح أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم فرض عقوبات على الدول البلقانية وعلى مدافع تركيا، بعد ضغوطاتٍ ألمانية، لكن التوترات المستمرة من الجماهير وحتى اللاعبين في الوسط الألماني تؤشر إلى استمرار المشاكل خلال الأدوار المقبلة، ضمن بطولةٍ هي من الأسوأ ربما من حيث التنظيم، ألمانياً وعالمياً.