ما لبث أن أُسدل الستار على الانتخابات الألمانية بفوز اليمين المتطرف قبل انطلاق بطولة «يورو 2024» في ميونيخ، حتى قُص شريط سياسي آخر. مرة جديدة تقتحم القوة الناعمة أسوار المستطيل الأخضر، جاعلةً من البث الحي منبراً لخبايا الأجندات. لكن، وعلى نقيض السنوات القليلة الماضية التي شهدت استغلال حكّام اليمين بعض الأحداث الكروية للترويج لأسمائهم وأفكارهم، كما حدث مع الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو عندما بنى حملته الانتخابية الأخيرة حول نجومية نيمار، وقبلها على وهج رونالدينيو، قُلبت الآية في النسخة الحالية من أمم أوروبا حيث يندّد العديد من اللاعبين الفرنسيين بـ«وحشية» اليمين المتطرف قبيل الانتخابات، داعين المواطنين للاختيار «السليم» قبل فوات الأوان.
أبرز هؤلاء، قائد منتخب فرنسا لكرة القدم، المهاجم كيليان مبابيه، الذي سجّل هدفاً في شباك اليمين قبل أن يدك الخصوم ضمن البطولة الجارية.

مبابيه الذي ينحدر والداه من أصلٍ أفريقي، حذّر خلال مؤتمر صحافي ضمن «يورو 2024» قائلاً: «التطرف على أبواب السلطة»، مؤكداً للشعب الفرنسي «نحن في لحظة حاسمة في تاريخ بلادنا».

وأضاف مهاجم باريس سان جيرمان السابق وريال مدريد الحالي: «أدعو إلى التصويت ضد المتطرفين الذين يريدون تقسيم البلاد. أريد أن أكون فخوراً بارتداء هذا القميص، ولا أريد أن أمثّل دولة لا تتوافق مع قيمي أو قيمنا. إلى الشعب الفرنسي بأكمله. نحن جيل قادر على إحداث الفارق ولدينا الفرصة لتشكيل مستقبل بلادنا».

إلى جانب مبابيه، كان المهاجم ماركوس تورام أبرز من شجّع المواطنين الفرنسيين على التصويت في الانتخابات ضد حزب الجبهة الوطنية، بالإضافة إلى الهدّاف التاريخي لمنتخب فرنسا أوليفييه جيرو كما الجناح عثمان ديمبيلي والمدافع بنجامين بافارد الذين حثّوا الفرنسيين على الانتخاب.
يندّد العديد من اللاعبين الفرنسيين بـ«وحشية» اليمين المتطرف قبيل الانتخابات


هؤلاء اللاعبون رفضوا الوقوف على الحياد وفضّلوا استغلال مكانتهم في التوجه السليم، سيراً على نهج أسلافهم من اللاعبين العظماء، مثل زين الدين زيدان الذي قام بتدخل مماثل عام 2002.

وبالنظر إلى الوقع المدوّي لتعليقات لاعبي المنتخب، اهتزّ الوسط الفرنسي، وأثير جدل واسع حول المدى الذي يجب أن يشارك فيه لاعبو كرة القدم في السياسة.

بعيداً عن تفاوت حدية لغة الخطاب بين مختلف اللاعبين الفرنسيين، لاقت تصريحات مبابيه الأصداء الكبيرة باعتباره قائداً للمنتخب بالدرجة الأولى، وأفضل لاعب فرنسي في العصر الحديث تباعاً.

على خلفية ذلك، أصدر الاتحاد الفرنسي لكرة القدم بياناً أوضح خلاله أنه على الرغم من السماح للاعبين بالتعبير عن أنفسهم بحرية، إلا أنه «محايد، سياسياً كمنظمة».

من جهته، أصرَّ سيباستيان تشينو، المتحدث باسم حزب التجمع الوطني، على أنه يحب مبابيه كلاعب، وأشار إلى أن العديد من ناخبي الحزب سيدعمون منتخب فرنسا خلال بطولة أمم أوروبا الجارية، لكنه دعا في الوقت نفسه مبابيه إلى الحفاظ على «مسافة» في القضايا السياسية. وتابع تشينو: «لا أتوقّع منه أن يلقنني درساً سياسياً»، مضيفاً أنه يرى مبابيه وغيره من المشاهير «بعيدين عن الواقع».

التوتر الحاصل يستند إلى عدة حقائق، منها ما يتعلق بضم الفرق الفرنسية المتفوّقة ​​العديد من اللاعبين من أصل أفريقي، في حين يجاهر اليمين المتطرف بمعاداته للهجرة. ولسخرية القدر، بني إرث المنتخب الفرنسي ضمن الاستحقاقات القارية، وتحديداً في كأس العالم (لقبان)، عبر أقدام المهاجرين، بدءاً بمتوسط الميدان الأسطوري زين الدين زيدان الذي حصد الذهب لفرنسا لأول مرة في «مونديال» 1998، ثم عبر مبابيه ورفاقه الذين جلبوا لبلادهم النجمة الثانية في «مونديال» 2018.