لم تخذل نجمة كرة المضرب التونسيّة وسفيرة العرب والأفارقة في المحافل الدوليّة جمهورها، بل كانت خير متحدّث باسمهم، وخير من حمل صوتهم إلى كل العالم، نظراً إلى مكانتها بين نجوم الرياضة العالميين المؤثرين، ولحجم متابعيها الواسع. أُنس جابر (29 عاماً) أو «وزيرة السعادة»، كما يحلو للتونسيين تسميتها، رفعت الصوت عالياً للمرة الثانية خلال أيّام، مندّدةً بالمجازر الصهيونيّة التي تُرتكب من الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين في غزة، ومتحديّةً كل محاولات التضييق وكتم الأصوات التي تمارسها الاتحادات الرياضية الدولية، بدفع من الحكومات الغربية التي تدعم الكيان الصهيوني وتبرّر مجازره الوحشية.النجمة التي وعدت ذات مرّة شابة من مشجعاتها بأنّها ستحقق لقب إحدى البطولات الكبرى في التنس «غراند سلام» كرمى لعيون نساء أفريقيا، لم تنس من أين خرجت، ولم تنس البلاد التي ترتبت فيها... بلاد عانت طويلاً من استعمار غربي عاث فساداً، ودمر الحجر والمؤسسات، كما حاول كسر إرادة البشر، ولكنّه فشل بكل تأكيد...
مع بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة قبل حوالى شهر، خرجت أُنس جابر لإدانة إجرام الاحتلال، فكتبت عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي: «ما مرّ على الفلسطينيين في الـ 75 سنة الماضية لا يوصف. المدنيون الأبرياء يذهبون بشكل لا يوصف، بغضّ النظر عن دينهم أو أصلهم، العنف لن يجلب السلام أبداً». وأضافت: «لا أستطيع الوقوف مع العنف، لكن لا يمكنني أن أقبل أنّ هناك أناساً تُؤخذ أراضيهم، إذاً ففهم السياق هو مهم للغاية... عندما تشاهد ما يحدث اليوم وتقرّر تجاهل التاريخ الحديث، فهذا أمر غير مسؤول ولن يجلب السلام». موقف لاقى أصداء كبيرة، وخصوصاً في وقت حاولت فيه الدول الأوروبية تغريم ومعاقبة كل من يندد بالكيان الصهيوني ويدعم الفلسطينيين، كما أنّ اتحاد كيان الاحتلال للتنس قرّر حينها مقاضاة اللاعبة التونسية بتهمة «مساندة منظمة إرهابية»، كما حاول تقليب الرأي العام العالمي ضدها، ولكنّه لم ينجح بعد التضامن الواسع مع ابنة مدينة سوسة.
ومع استمرار الوحشية الصهيونية واستهداف الأطفال والنساء والمستشفيات، اتخذت النجمة التونسية موقفاً أكثر قوّة إلى جانب الضحايا المدنيين في قطاع غزة، ومندّداً بالمجازر الصهيونية الوحشية. بعد تحقيق فوزها الأوّل على التشيكية ماركيتا فوندروسوفا ضمن الجولة الختامية لدورة «دبليو تي إيه» لمحترفات كرة المضرب، المقامة في مدينة كانكون المكسيكية، انهمرت دموع أُنس جابر، ووجّهت رسالة مباشرة على الهواء للفلسطينيين عبر وسائل إعلام الجهة المنظمة، قائلةً: «أنا سعيدة جداً بهذا الفوز، لكنّني لست مسرورة لما يحدث هذه الأيام، الوضع في العالم لا يجعلني سعيدة بالمرّة». وتابعت وهي تبكي على وقع تصفيق الجمهور: «من الصعب أن ترى الأطفال والرضّع يموتون يومياً، إنّه أمر مؤلم جداً، لذلك قرّرت التبرّع بجزء من جائزتي المادية لمساعدة الشعب الفلسطيني. لا أستطيع أن أفرح بهذا الفوز. هذه الرسالة ليست سياسية، إنه أمر إنساني، أريد السلام لكلّ العالم».
رسالة أُنس الثانية حظيت بتفاعل كبير، وتناقلها مئات الملايين حول العالم عبر السوشال ميديا، وكان لها تأثير كبير على الرأي العام العالمي، وخصوصاً في أوروبا وأميركا الشمالية، حيث تتخذ السلطات إجراءات صارمة لناحية منع وصول الصورة الحقيقية لما يجري من مجازر صهيونية في غزة وانتهاكات في الضفة الغربية المحتلة ضد الفلسطينيين.
اللاعبة التي أحرزت خمس بطولات دولية بإمكانات أقل بكثير من منافساتها ووصلت عام 2022 إلى المركز الثاني في تصنيف اللاعبات المحترفات، لا تزال تبحث عن لقبها الكبير الأوّل «غراند سلام»، وخصوصاً بعدما احتلت الوصافة (مركز ثان) في بطولتَي «ويمبلدون» (2022 و2023) و«فلاشينغ ميدوز» (2022)، من دون أن ننسى أنّها أحرزت لقب بطولة فرنسا المفتوحة للناشئات عام 2011. ولا شك في أنّ جابر ستواصل حلمها بأن تكون أوّل عربية وأفريقية تحرز لقب إحدى الدورات الأربع الكبرى، إلى جانب أنّها صوت أبناء قارتها وبلدها في العالم الذي يزداد ضيقاً وظلماً وفق ما قالت. نجحت أُنس في «اختبار الأمة» حيث فشل كثيرون، من بينهم لاعب كرة القدم المصري محمد صلاح، وأوصلت الرسالة إلى الجمهور العالمي لتستحق لقب «وزيرة السعادة»، ولتكن جديرة بدعم كلّ الأحرار في العالم.