الكلّ كان يعلم أن الأنصار يتجه نحو مرحلة جديدة، بعدما فقد لقبَي الدوري وكأس لبنان اللذين سعا وراءهما كثيراً في الأعوام الأخيرة.مرحلة التغيير المرتقبة لم تكن مرتبطة فقط باللاعبين بل بتهيئة الأجواء المناسبة لإعادة ترتيب البيت الأنصاري، وهو أمر لم يكن بالسهل أبداً بعد عودة المدير الفني الأردني عبدالله أبو زمع إلى بلاده إثر انتهاء عقده مع «الأخضر».
هنا كان الأنصاريون أمام مفترق طرق، فإما البحث مجدّداً عن مدربٍ أجنبي والعمل معه كما كان الحال عليه طوال خمس سنوات، وإما إيجاد من يمكنه أن يعالج الخلل الفني الذي قضى على موسم فريقٍ كان بطلاً حتى الأمس القريب. فضلاً عن ذلك فإن الأهم هو في كيفية اختيار شخصٍ مناسب للمهمة ولهوية نادي الأنصار.
هذا الشخص كان ببساطة أحد أبرز الأسماء التي صنعت مجد فريقٍ مهيمنٍ وحاصدٍ للألقاب التي كان أحد أبطالها أو المخطّطين لها لاعباً قائداً، ومدرباً، حتى ورد اسمه في غالبية الصفحات الذهبية لتاريخ الأنصار والكرة اللبنانية.
هو جمال طه الذي لم يتمكن أحدٌ من حصد كمٍّ من الألقاب أكثر منه، حتى انتهى به المطاف فائزاً في 32 من أصل البطولات المختلفة الـ39 التي احتفل الأنصار بها بحسب ما يشير أكثر من مرجع.

هجمات وضغوط
يعلم جمال طه حجم الضغوط التي تنتظره منذ اللحظة التي ستنطلق فيها الاستعدادات للموسم الجديد، ويعلم أيضاً أن قسماً من الجمهور لا يبادله الودّ لأسبابٍ أو لأخرى يدركها تماماً، وقد ظهرت إلى العلن أصلاً عند إعلان تسميته مديراً فنياً مرةً جديدة.
البعض أعاد أسباب الهجمة على «الغزال الأسمر» إلى نتائج منتخب لبنان خلال فترة توليه الإشراف عليه، والبعض الآخر صوّب على حسابات داخل البيت الواحد، يمكن أن تكون قد دفعت باتجاه انتقاد الرجل حتى قبل أن يبدأ مهمته، التي لم تكن سيئة غالباً عندما تولى الإشراف على الفريق البيروتي العريق، إذ في 139 مباراة له مع أحد أشهر الفرق البيروتية فاز في 78 مناسبة مقابل 38 تعادلاً و23 خسارة.
الأكيد أن طه يمكنه أن ينهض بالأنصار، لكنّ هذه النهضة دونها عقبات يعلمها أيضاً ولو أنه لم يتمّ الحديث عنها في العلن، وما إيجاد الحلول لها إلا خطوة مهمة نحو خلق استقرارٍ على مختلف المستويات في الفريق، ما يعني أن المدرب سيكون قادراً على العمل بسلاسة ومن دون تعقيدات.
ضجيجٌ في الشارع وفي الكواليس وكلامٌ عن ملفات شائكة مع نجوم الفريق


ومنذ اللحظة الأولى لإعلان تعيينه على رأس الجهاز الفني، طفت إلى العلن أحاديث عن ملفات أساسية شائكة بنسب مختلفة تنتظره، ومنها إشارة إلى علاقة متوترة مع ثلاثة من أركان الفريق هم القائد معتزبالله الجنيدي، والظهير نصار نصار ونجم خط الوسط نادر مطر.
صحيح أن الأول لم يشارك كثيراً في الموسم الماضي بعدما خسر مركزه أساسياً، لكن لا يخفى أن له تأثيره على عناصر عدة في المجموعة. القائد الهادئ قيل إنه لم يكن على تفاهمٍ تام مع القائد السابق الذي اتُّهم أيضاً باصطدامه بنصار في المنتخب وامتعاض الأخير مما حصل معه. وكذا بالنسبة إلى مطر الذي قيل إنه مرّ بفترةٍ متوترة معه انطلاقاً من أنه لم يكن راضياً عن دوره مع «رجال الأرز» خلال فترة إشراف طه على المنتخب. كما ذهب البعض إلى القول بأن هناك مشكلات عالقة مع حسن معتوق، وهي مسائل وصفها أحد المقرّبين من طه بأنها شائعات من نسج الخيال وتثير الضحك والسخرية في آنٍ معاً، لأن المدرب العائد على علاقة طيّبة بكل هؤلاء اللاعبين الذين يعرف مدى أهمية دور كلٍّ منهم في تشكيلته.

بين الشرقي وسعد
وفي موازاة هذه الأجواء، يصف أنصاري عتيق المدرب القديم - الجديد بأنه نسخة متطوّرة لمزيجٍ يجمع بين أفكار فنيّة مميزة كتلك التي تمتّع بها الراحل عدنان الشرقي، وبين صرامة محمود سعد.
الواقع أن الأنصار يحتاج إلى الشخصيتين، فهو بدا أنه يعاني من مشكلات فنيّة جمّة على أرض الملعب، ومن حالة عدم انضباط لبعض اللاعبين أثّرت على مستواهم الشخصي والمستوى العام للفريق الذي عرف ضجيجاً في الكواليس بسبب مجموعة من اللاعبين تريد تحسين العقود.
وهذه المسألة قد تعرقل العمل على إنهاء ملف التعاقدات، حيث يبدو الفريق الأخضر بحاجةٍ إلى تدعيم صفوفه بلاعبين في كل المراكز تقريباً، انطلاقاً من طرفَي خط الظهر وقلب الدفاع، فكان قد طرح فكرة الحصول على خدمات سعد يوسف وعبدالله مغربي من طرابلس وعبدالله عيش من النجمة وشادي سكاف من البرج، وذلك في موازاة العمل على إقناع شباب الساحل بالتخلي عن حسين الدر المصرّ على البقاء في قلعة الأنصار بعد انتهاء فترة إعارته.
أضف إلى ذلك أن الفريق ورغم تجديد عقد يحيى الهندي لموسمٍ إضافي، فإنه قد يكون بحاجةٍ إلى لاعب خط وسط - دفاعي (ارتكاز) إضافي مع أرجحية عدم وضع غازي حنينة في الحسابات ورحيل جهاد أيوب عن الفريق، لتكون الخطوة المثالية الأولى هي في تعزيز خط الهجوم بأفضل من يمكن أن يلعب في مركز رأس الحربة وهو الهدّاف السنغالي الحاج مالك تال.
مهمة طه صعبة بلا شك في الأنصار، لكنّ خبرة الرجل ومعرفته بخبايا الفريق وطبيعة أفراد تشكيلته واختياره جهازه الفني ومساعديه بنفسه ووجود صديقه بلال فراج إلى جانبه مديراً، كلّ ذلك يؤسّس لمرحلةٍ قد تكون ناجحة كما كانت حال كل مرحلة عرفها «الغزال الأسمر» في بيته الأول والأخير.