«سقط القناع». عبارة قد تنطبق على ما آلت إليه الأمور في لعبة كرة القدم. «سقط القناع» وانكشفت وجوه عديدة سبق وأن شاركت في «مسرحية» الجمعية العمومية الاستثنائية التي عُقدت لبحث مستقبل الموسم الكروي. هكذا تم توصيف المشهد عصر أمس الأربعاء. في يوم «المسرحية»، تسابقت الأندية إلى فندق البريستول لتأكيد تمسكها باللعب والمحافظة على اللعبة ومصالح اللاعبين. مشكلتها الرئيسية كانت مسألة الهبوط بالدرجة الأولى واللاعبين الأجانب. انتهت الجلسة وذهب الاتحاد اللبناني إلى اجتماعه ليخرج بصيغة ألغى فيها الهبوط في الدرجات كافة، وقرر إقامة بطولة من مرحلة واحدة من دون أجانب تاركاً حرية المشاركة للأندية.المفاجأة كانت أمس بعد انتهاء المهلة التي حددها الاتحاد للأندية لتأكيد مشاركتها، حيث أرسلت خمسة أندية فقط كتباً إلى الاتحاد اللبناني تؤكّد مشاركتها في البطولة. العهد، الأنصار، البرج، طرابلس والإخاء الأهلي عاليه. في المقابل لم تؤكد سبعة أندية هي النجمة، الصفاء، شباب الساحل، السلام زغرتا، التضامن صور، شباب البرج والشباب الغازية مشاركتها. تتنوع أسباب تمنّع تلك الأندية عن المشاركة، لكن النتيجة واحدة.
«ضربة في مقتل» تصيب لعبة كرة القدم والموسم الكروي وقبل كل شيء عشرات الأشخاص من مدربين وإداريين ولاعبين يعتاشون من هذا القطاع ويشكّل مصدر رزق رئيسياً لهم. والأسوأ أن اتحاد اللعبة أصبح أمام مأزق عدم قدرته على استكمال الموسم في الدرجة الأولى في ظل رفض أكثر من نصف الأندية المشاركة. إذ ليس من المعقول والمنطق إقامة دوري رسمي يتوّج في نهايته بطل يدخل في السجلات الذهبية للبطولة، بدوري يضم عدد أندية أقل من عدد الأندية المشاركة في كأس النخبة أو كأس التحدي التنشطيتين أو حتى كأس دورة حارة حريك الودية القائمة حالياً.
ولعل أكثر ما يشكل إحراجاً لأندية الدرجة الأولى، هو أن عدد أندية الدرجة الثانية التي تريد أن تلعب هو ستة من أصل اثني عشر نادياً، أي أكثر من عدد أندية الدرجة الأولى التي تريد أن تشارك. هنا يُطرح سؤال مهم، هل يعقل أن الأندية التي تعاني مادياً وتُعتبر في دوري المظاليم قادرة على المشاركة أكثر من أندية الدرجة الأولى؟ وفي النهاية تتمسك تلك الأندية بالبقاء في الدرجة الأولى!
في الدرجة الثانية أعلنت ستة أندية رغبتها بالمشاركة وهي: الراسينغ، الاجتماعي، الحكمة، سبورتينغ، المبرّة والأهلي صيدا. لكن في الوقت عينه يُعتبر العدد قليلاً لإقامة دوري يتأهل في نهايته فريقان إلى الدرجة الأولى، إذ أن ثلث الأندية المشاركة ستصعد إلى الدرجة الأولى. كما أنه من الصعب في حال ألغى الاتحاد بطولة الدرجة الأولى، إقامة بطولة الثانية وترفيع أندية ليصبح العدد 14 نادياً في الموسم المقبل.
العدد ـ الصدمة الذي انتهت إليه مهلة الاتحاد اللبناني أثار التساؤلات حول الأسباب، والأهم هو النتائج والتداعيات. وهنا لا بد من التوقف عند موقف ناديين من الأندية الخمسة التي سبق وأن تمسّكت باللعب واستكمال الموسم ثم عادت وعزفت عن المشاركة: النجمة وشباب الساحل. الناديان هما من «الخماسي» الذي أجرى اجتماعين متتاليين قبل الجمعية العمومية وأعلن تمسكه باستكمال الموسم. لكن بالنسبة إلى هؤلاء تحوّل مبدأ إلغاء الهبوط الى «قميص عثمان» فكانت البداية مع نادي شباب الساحل الذي أصدر بياناً ليلياً أول من أمس أعلن فيه عدم مشاركته، عازياً الأسباب إلى «أنّ موقف النادي كان واضحاً منذ البداية و تظهّر بشكل جليّ في اجتماعات النوادي الخمسة الذي أبدى في خلالها معارضته لإلغاء مبدأ الهبوط إلى الدرجات الدنيا وكذلك معارضته لإعطاء النادي الحق في اختيار المشاركة في البطولة من عدمه. إنّ إدارة النادي إذ تعتبر أنّ النظام المطروح لاستكمال بطولة كرة القدم سوف يؤثر سلباً على مستوى اللعبة في لبنان ويلغي روح التنافس العادل وتكافؤ الفرص؛ وبالتالي ينتفي الهدف الذي تقام البطولة من أجله» كما جاء في بيان النادي.
فكّر لاعب في نادٍ من الدرجة الأولى ببيع أحد أعضاء جسده بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة


النجمة من جهته أيضاً تحدث عن مسألة إلغاء الهبوط وخطره على المنافسة الصحيحة، وعدم استكمال الدوري من المرحلة التي توقف فيها ليعلن عدم مشاركته، إلا في حال تراجع الاتحاد عن هذين البندين وفق كتاب أرسله النادي إلى اتحاد اللعبة عند الساعة الرابعة والثلث من عصر أمس، أي بعد انتهاء المهلة الاتحادية عند الساعة الرابعة من عصر يوم أمس الأربعاء، 15 كانون الثاني. فقد أعلن رئيس نادي النجمة أسعد صقال هذا الموقف خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس في مقر النادي، حيث أشار إلى أنه أرسله عبر البريد الإلكتروني إلى الاتحاد بعد انتهاء المهلة.
لكن هل هذه هي حقيقة أسباب تمنّع الناديين عن المشاركة؟
في شباب الساحل تشير المعلومات من مصدر مقرب إلى أن القصة لا تتعلق بنظام بطولة، بل بطلبات مبالغ بها من بعض اللاعبين بحسب المصادر. فقبل يومين رفض عدد من اللاعبين صيغة تخفيض رواتبهم في ظل الأزمة الاقتصادية القائمة، ما ترك عتباً كبيراً عند رئيس النادي سمير دبوق الذي لم يترك لاعبيه وبقي إلى جانبهم في عز الأزمة، لكنهم لم يبادلوه بالمثل. عندها تقول المصادر بأن دبوق قرر الاستمرار في دفع الرواتب حتى نهاية شهر نيسان من دون المشاركة في البطولة، كنوع من تسجيل موقف تجاه لاعبيه قبل أي شيء آخر. وهنا تقول مصادر متابعة إنه يسجّل لدبوق موقفه المبدئي، لكن يسجّل عليه التذرع بنظام البطولة لتبرير عدم المشاركة بدلاً من الإعلان عن الأسباب الداخلية التي كانت سبباً رئيسياً في القرار الساحلي.
في النجمة لا يختلف الوضع كثيراً وإن كان بإطار مختلف. فتبريرات النجمة لا تبدو منطقية بحسب المتابعين، إن كان على صعيد التمسّك بالهبوط لمنع التلاعب أو بالنسبة إلى استكمال الموسم من المكان الذي توقف فيه وليس إعادته من البداية.
فإذا كان عدد الأندية ستة (في حال انضم النجمة) حينها لا يمكن وضع نظام هبوط مع تمنّع ستة أندية عن المشاركة، وهنا ينتفي مبدأ الخوف من التساهل في ظل عدم وجود هبوط. المنافسة ستكون مفتوحة بين الأندية الستة المتساوية في المستوى في ظل غياب الأجانب لإحراز اللقب وبالتالي لا يمكن الحديث عن تلاعب. هكذا علّق متابعون على هذا الأمر.
أما موضوع استكمال البطولة من المكان الذي توقفت فيه، فإنه طرح مستحيل أيضاً في ظل انسحاب ستة فرق، وبالتالي تُلغى نتائجها. هنا يمكن القول بأنه إذا كان النجمة حريصاً على نقاطه الست من فوزين على الأنصار والتضامن صور كما يقول رئيسه أسعد صقال في المؤتمر الصحافي، فإن التضامن لم يعد مشاركاً وبالتالي لا يمكن احتساب نتيجته. والأمر ينسحب على باقي الفرق أيضاً كالبرج الذي فاز على السلام زغرتا وشباب البرج المنسحبين أيضاً.
من الفرق العريقة أيضاً التي ستغيب عن المشهد هو نادي الصفاء. هذا النادي الذي لطالما كان حاضراً في الصورة الكروية حتى إن ملعبه ودوراته (الأضحى و16 آذار) كانت المتنفس الكروي الوحيد في عز الحرب، لم يجد في إدارته من يرفع الصوت للمشاركة وعدم الغياب. عضو اللجنة الإدارية معين جنبلاط الذي يبدو وحيداً في الساحة الصفاوية مع حضوره اجتماعات الأندية مع الاتحاد وكذلك الجمعية العمومية الاستثنائية تحدث لـ«الأخبار» عن أسباب غياب الفريق العريق.
«85 إلى 90% من المشكلة هي مالية. لاعبو الفريق لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهر أيلول الماضي. أضف إلى ذلك المشاكل الإدارية التي يعاني منها النادي، حيث انقسم المشهد الصفاوي بين طرفين متناقضين كلياً. فإذا طرح طرفٌ ما لفكرة معيّنة يعارض الطرف الآخر لمجرد أن الطرف الأول طرحها، والعكس صحيح» يقول جنبلاط لـ«الأخبار» عن واقع الصفاء وأسباب انسحابه.
وقد يكون الواقع الصفاوي على صعيد اللاعبين مثالاً عن الضرر الكبير الذي سيصيب شريحة كبيرة من لاعبين وإداريين ومدربين في الفرق التي لن تشارك، سواء في الدرجة الأولى (سبعة أندية)، والثانية (ستة أندية)، والثالثة (13 نادياً من أصل 28).
صحيحٌ أن غالبية الأندية استخدمت «سيمفونية» مصلحة لاعبيها وعدم تركهم، لكن المعطيات تشير إلى أن واقع معظم لاعبي تلك الأندية صعبٌ إلى مُزر. فحين يفكّر لاعب في نادٍ من الدرجة الأولى ببيع أحد أعضاء جسده لإطعام عائلته فحينها يمكن معرفة كيف هو واقع زملائه (هذا الأمر حصل في فترة ليست ببعيدة). وحين ينتظر لاعب آخر صديقه في ناد آخر كي يأكل عنده نظراً إلى عدم امتلاكه للمال لتأمين قوته أيضاً حينها يمكن رؤية الصورة القاتمة. وحين يجد لاعب من خارج العاصمة يلعب مع فريق من منطقة محاذية لبيروت نفسه في الشارع، لأن إدارة ناديه لم تدفع بدل إيجار الشقة التي يسكن فيها ويضطر إلى المبيت في مقهى ملاصق، فحينها أيضاً يمكن الوقوف على الوضع الكارثي للاعبين. هذه الأمور حصلت وتحصل كل يوم في لعبة الفقراء.
فإذا كان حال هؤلاء اللاعبين وغيرهم وغيرهم كذلك قبل أن يُحسم مصير البطولة، فكيف سيكون حالهم بعد أن قررت أنديتهم عدم المشاركة؟
لا شك في أن الصورة ستكون قاتمة جداً بعد أن أقفل عدد الأندية التي تريد اللعب في الدرجة الأولى على خمسة وفي الثانية على ستة، ما يمهّد لإلغاء الموسم برمّته وبالتالي دخول عدد كبير من العاملين في هذا القطاع في النفق المظلم، ما لم يتم فتح نافذة تُدخِلُ «الأوكسجين» إلى معظم العاملين في الوسط الكروي، رغم أن الخيارات تبدو محدودة والمسألة شبه محسومة: طار الموسم.



صقال يوضّح وينفي


شكّل المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس نادي النجمة أسعد صقال فرصة للاستيضاح حول الأمور التي تتعلّق بالنادي بعيداً عن مسألة المشاركة في الدوري أو عدمها. فالمؤتمر الصحافي جاء عقب إعلان النادي عن إجراء انتخابات تكميلية للجنة الإدارية، نجم عنها دخول ثلاثة أعضاء جدد، هم: علي هشام السبع الذي أصبح نائباً للرئيس، إضافة الى ابراهيم الحوري ومازن بتكجي كعضوين. هذا الأمر أثار تساؤلات حول شرعية العملية الانتخابية، حيث شكك البعض بقانونية ما حدث على صعيد عدم الدعوة الى الانتخابات بشكل علني وتحديد مواعيد محددة وفتح باب الترشّح. نقاطٌ طرحتها «الأخبار» في المؤتمر الصحافي، حيث أكّد صقال أن الانتخابات شرعية وجرت وفق الأطر القانونية على صعيد الإعلان عن الجمعية العمومية والانتخابات في ثلاث صحف. كما أن اجتماع الجمعية العمومية حصل في المرة الثالثة بعد جلستين لم يتأمّن فيهما النصاب، قبل أن تُعقد بمن حضر.
كذلك أجاب صقال عن تساؤلات حول الوضع المادي للفريق في ظل كلام عن وجود ديون كبيرة مترتبة على النادي تجاه لاعبين حاليين وسابقين، اضافة الى عقوبات مالية من الاتحاد الآسيوي. كما أن هناك تساؤلات حول وجود دعاوى قضائية بحق النادي تجاوز عددها الخمس دعاوى. صقال نفى كل ما يقال عن وضع مالي صعب، مطمئناً الجمهور الى عدم وجود أزمة مالية. «لكن من الطبيعي أن لا يتم دفع الرواتب بشكل طبيعي كما لو أنه لا يوجد أزمة. لكن في الوقت عينه، أنا لن أترك اللاعبين. وحتى في حال عدم مشاركتنا في الدوري، سأفي بالتزاماتي المادية. أنا كنت صريحاً مع اللاعبين وتحدثت اليهم في هذه القاعة بالذات (حيث يُعقد المؤتمر الصحافي). وقد أبلغتهم بأني غير قادر على القيام بالأعباء المالية بشكل كامل في ظل الظروف الصعبة، وبالتالي هناك حلّان: إما أن أستقيل ويأتي رئيس آخر يكمل من بعدي، أو أبقى ويساعدني اللاعبون. وبالفعل معظم لاعبي النجمة وافقوا وقرروا الوقوف الى جانبي» يقول صقال خلال المؤتمر الصحافي.
أما موضوع الدعاوى القضائية، فقد أشار رئيس نادي النجمة الى أن «ما يقال غير صحيح، وهناك فقط دعويان قضائيتان خاسرتان على نادي النجمة، وليس خمس دعاوى كما يقال».