بعد انتهاء مشاركته في بطولة غرب آسيا لكرة القدم، ظهر المنتخب اللبناني بحلّةٍ جديدة، مختلفة تماماً عمّا قدّمه خلال السنوات الثلاث الماضية. النتائج لم تختلف كثيراً، لكن الأداء كان مغايراً، والجمهور استبشر خيراً قبل أقل من شهرٍ على انطلاق التصفيات المزدوجة المؤهلة إلى كأس العالم 2022 وكأس آسيا 2023. منتخبٌ مهاجم، فريقٌ مسيطر، ووجوهٌ جديدة. أبرز نتائج المشاركة الأخيرة، اتّضاح الصورة أكثر حول ما فقده المنتخب في فترةٍ سابقة، ليس بسبب الأداء المتحفّظ فحسب، بل بما يخصّ حرمان عددٍ من اللاعبين من المشاركة الدولية أيضاً، وهذا، يترافق مع شيءٍ من المبالغة ربما، حول «التغيير» الذي أحدثه المدرب السابق.
بطولة غرب آسيا اعتُبرت تحضيرية للبنان(عدنان الحاج علي)

ربما، السؤال الأصعب الذي قد يجيب عليه أي مشجّع، هو إذا ما كان يريد النتائج الإيجابية، أم الأداء الممتع؟ طبعاً، إذا كان فريقه قادراً على تقديم الاثنين معاً، فهذا المشجّع محظوظٌ جدّاً، على عكس أغلب باقي المشجعين لفرقٍ أخرى. بشكلٍ عام، النتائج السلبية تترافق مع الأداء السلبي أيضاً، لكن ثمّة حالاتٌ استثنائية، يتفوّق فيها من يقدّم كرة قدم مملّة ومباريات تنتهي بتسجيل هدفٍ واحدٍ خلال ساعةٍ ونصف، وهنا، لا يكون الأداء سلبياً، بل ناجحاً، بالنسبة إلى الجهاز الفني، وربما الإدارة من خلفه، وقد يقبل به الجمهور على مضض، لكنه لا يُرضيه. في السنوات الثلاث الماضية، قدّم المنتخب اللبناني النسختين، الأداء الغير محبب جماهيرياً الذي تكون نتيجته إمّا الفوز أو الخسارة، وغالباً التعادل. اليوم، يتغيّر الحال، ويبقى السؤال هو عينه، هل يريد الجمهور النتائج الإيجابية، أم الأداء الممتع؟

منتخب ليفيو يتفوق
في مبارياته الأربع الأولى، نال مدرب منتخب لبنان السابق، المونتنيغري ميودراغ رادولوفيتش، خمس نقاط، من تعادلين وفوز، في مباراتين وديتين ومثلها ضمن التصفيات المونديالية المؤهلة إلى كأس العالم روسيا 2018. سجّل الفريق أربعة أهداف وتلقّى ثلاثة أخرى، محافظاً على نظافة شباكه مرة واحدة. بالمقارنة مع ما قدّمه المنتخب برفقة المدرب الجديد، الروماني ليفيو تشيوبوتاريو، خلال بطولة غرب آسيا، نتائجه كانت أفضل (فوزٌ واحد، تعادلٌ وخسارتان، مسجّلاً 3 أهداف ومتلقّياً 4 مثلها). بطبيعة الحال، اللاعبون يتغيّرون، والمنافسون أيضاً، وظروف المباريات هي الأخرى، والمقارنة لا تكون دائماً عادلة، لكن بيت القصيد ليس في المقارنة بين النتائج، بل بما قدّمه منتخب رادولوفيتش طوال ثلاث سنواتٍ ونصف السنة، واستطاع منتخب تشيوبوتاريو أن يقضي عليه جماهيرياً في سبعة أيام.
المنتخب يهاجم، وبشكل مفاجئ، يظهر أن مشكلة عدم وجود مهاجم صريح، ليست موجودة، بل إن الأسماء عديدة. صحيحٌ أنه اكتفى بتسجيل ثلاثة أهداف، وأن المهاجمين أضاعوا مثلها أو أكثر، لكن المشكلة الفعلية لم تكن في عدم وجود «صاحب اللمسة الأخيرة»، بل في عدم وصول الكرة إليه. المنتخب يصنع الفرص أيضاً، وبشكلٍ غير معتادٍ، يتبيّن أنه قادرٌ على اللعب بأربعة مدافعين في الخلف، وأن مشاركة أربعة لاعبين في الحالة الهجومية أمرٌ ممكن.
المنتخب يملك لاعبين في مركز الظهيرين، وبشكل غير مألوف أيضاً، يتّضح أن هؤلاء، يستطيعون بناء اللعب والمشاركة في الحالة الهجومية، لا الاكتفاء بالواجبات الدفاعية فحسب.
خسر المنتخب ثلاث سنوات لم يختبر فيها المدرب السابق سوى عدد قليل من اللاعبين


حسناً، إذا كان المنتخب قادراً على الهجوم وصناعة الفرص والتسجيل والاستحواذ والسيطرة، وبغياب سبعة لاعبين دوليين محترفين في الخارج، إذاً ما الذي كان رادولوفيتش يفعله حتّى كان فريقه يكتفي بتسجيل هدفٍ أو اثنين في مرمى أفغانستان وهونغ كونغ وماليزيا وسنغافورة وقيرغيزستان، والاكتفاء بتسجيل 21 هدفاً في 16 مباراة متتالية، كانت الأردن أو فلسطين خصمه الأصعب فيها؟
عموماً، كشف تشيوبوتاريو عمّا حُرم منه اللاعبون سابقاً. حررهم من الواجبات الدفاعية المبالغ فيها على الرغم من أن قائمته المستدعاة إلى بطولة غرب آسيا لم تحمل سوى لاعب ارتكازٍ واحد، أفضل ما في مسيرته الكروية هو خوض نصف موسمٍ مع النجمة. أحبّ الجمهور المنتخب الجديد على الرغم من النتائج المتواضعة، لأنه يعلم أن غياب اللاعبين المحترفين قادرٌ على تعويض ما فقده المدرب خلال المباريات التي قادها. خسر من العراق بعدما تفوّق عليها نسبياً، ثم فاز على سوريا، وعاد وتعادل مع فلسطين قبل أن يخسر من اليمن. الخسارة الثانية كانت متوقّعة بفعل تراجع اللاعبين بدنياً، بخوض بعضهم أربع مبارياتٍ أو ثلاثاً خلال عشرة أيام. كلُّ هذا، يصب في خانة الأداء والنتائج، لكن ثمّة أمرٌ آخر اختلف، أو في الواقع، اتّضح، وهو أن المنتخب، خسر ثلاث سنواتٍ من عمره، كان قادراً خلالها على التطور أكثر.

مشاركة اللاعبين الشباب
رادولوفيتش تحدّث لوقتٍ طويل وبشكل اعتبره البعض مبالغ فيه في الواقع، عن «التغيير الجذري» الذي حصل في المنتخب بعد اعتزال عددٍ من اللاعبين عقب الخروج من التصفيات المونديالية من الدور الثاني. طبعاً، عدد اللاعبين الذي تحدّث عنه المونتنيغري، يبلغ أربعة فقط، هم رضا عنتر، يوسف محمد، بلال نجارين وعباس عطوي. جميعهم كان لهم ثقلٌ في المنتخب، وغيابهم مؤثّرٌ من دون شك، لكن ليس بحجم نقلةٍ نوعية. ففي مباراة التصفيات الأخيرة أمام كوريا الجنوبية، ثمانية من اللاعبين الأساسيين، تم استدعاؤهم إلى بطولة كأس آسيا 2019. الفارق بين التاريخين يبلغ ثلاث سنوات! والمفارقة، أن المدرب السابق برر النتائج بالتغيير في المنتخب، في حين أن التشكيلة الأساسية الأخيرة التي لعبت أمام اليمن، لم تضم سوى لاعب واحد من تلك التي واجهت قطر في بطولة كأس آسيا، ولاعبَين من مواجهة كوريا الشمالية، وهي الأخيرة للمدرب السابق.
فعلياً، خسر المنتخب ثلاث سنوات، لم يختبر فيها المدرب السابق سوى عدد قليل من اللاعبين، في حين أنه أخّر مشاركة الشباب، الذين لعبوا بالأمس أولى مبارياتهم الدولية، بعدما تخطّوا الـ23 من العمر.
خليل خميس وحسين زين مثلاً، لم يمثّلا المنتخب الأوّل للمرة الأولى في مسيرتهما مع المدرب الروماني الجديد. سبق أن لعبا تحت قيادة رادولوفيتش، لكن دقائق اللعب كانت قليلة، ولذلك يصعُب تذكّر أن لهما مباراةً أو اثنتين سابقاً. علي علاء الدين لعب للمرة الأولى، كما أحمد حجازي، ومثلهما حسين منذر ومحمد قدوح. المشكلة في أن جميع هؤلاء كانت أمامهم فرصة فعلية لاكتساب الخبرة الدولية خلال وقتٍ سابق، لكن سلسلة مباريات اللاخسارة التي أراد رادولوفيتش أن يحافظ عليها، منعتهم من ذلك، على الرغم من أن جميعهم يُعدّون من نجوم اللعبة محليّاً. صحيحٌ أن ليس كل من ينجح في الدوري قادراً على النجاح مع المنتخب، لكن الغير منطقي كان أن ستة لاعبين، أربعة منهم مع بطل الدوري لثلاث سنواتٍ متتالية، ليسوا كفوئين دولياً!
عموماً، التجربة ليست ورديةً إلى هذا الحد، ولا تزال هناك تحديات إضافية. تشيوبوتاريو لم يُعطِ حجازي وعلاء الدين فرصةً كبيرةً للعب، وأبقى حسن بيطار على مقاعد البدلاء. في نهاية الأمر، هو أيضاً يريد تحقيق نتائج إيجابية، ولن يُرضي جميع المشجّعين. هو يعلم أن هذه المباريات، على الرغم من أنها رسمية، لكنها فرصة له للتحضير، وأحداً لم يضغط عليه لتحقيق النتائج، طالما أن طريق كأس آسيا لا يمرّ من هنا، لكن على الأقل، بدأ من المكان الصحيح، والذي كان يجب البدء منه قبل سنوات، بحسب العديد من المراقبين والمتابعين للمنتخب.