اثنا عشر يوماً، انتظرت الجماهير العربية «نجمها الأوّل» محمد صلاح ليخرج عن صمته ويدين جرائم العدوان الصهيوني بحق الفلسطينيين. اثنا عشر يوماً، لم يبقَ محب لصلاح ولا حتى للكرة إلا وطالب لاعب ليفربول الإنكليزي بالتنديد بالعدوان، لما له من تأثير على مستوى العالم، خاصة على الشباب في الغرب. وكان الأبرز قبل أيام حين خرج صديقه، نجم كرة القدم المصرية السابق محمد أبو تريكة ليدعوه لاتخاذ موقف واضح مع قضية لا يمكن أن يكون فيها أحد على الحياد.
(عبعزيز-مصر)

أخيراً خرج صلاح عن صمته. خرج تحت الضغط، وبعد أن شعر بالحرج ـ ولا مبالغة إن قلنا إنه شعر بالإهانة ـ بعد أن سبقه عدد كبير من نجوم الرياضة إلى إدانة الوحشية الصهيونية، ومنهم من لا يعرفون عن منطقتنا العربية ومآسيها الشيء الكثير. خرج ابن بلدة نجريج المصرية في مقطع مصوّر على وسائل التواصل الاجتماعي، بدا خلاله يرتجف، وعيناه لا ترمشان، وبكلمات إنكليزية ركيكة وغير واضحة أدان العنف، ولكنه لم يذكر إسرائيل. قال صلاح الذي عوّل عليه كثيرون قبل أن يُخيّب آمالهم: «ليس من السهل أبداً الإدلاء بتصريحات في مثل هذه الأوقات العصيبة. شهدنا في الأيام الماضية عنفاً شديداً ووحشية غاشمة تُدمي القلوب». وأكمل: «لا يُمكن تحمّل وتيرة العنف المتصاعد منذ أسابيع. جميع الأرواح مقدّسة ويجب توفير سُبل الحماية لها. يجب أن تتوقّف المجازر، فالعائلات تتقطّع أواصرها. يجب السماح بتقديم الدعم الإنساني لغزة فوراً». وأضاف سفير العرب في الملاعب الأوروبية: «يمرّ سكّان غزّة بأوضاع مزرية. بالأمس، شاهدنا مشاهد مروّعة في المستشفى. يحتاج سكّان غزّة إلى الغذاء والماء والدواء فوراً». وناشد أخيراً «قادة العالم للتكاتف معاً لمنع وقوع المزيد من المذابح ضد الأبرياء»، مُنهياً رسالته بـ«الإنسانية يجب أن تسود».
صمت صلاح دهراً، ولكنه بلا شك نطق كفراً، حين لم يذكر الإجرام الصهيوني في كلمته. وحين وضع الشهيد والجلّاد في الخانة نفسها. ليست أرواح أطفال غزة كإجرام الصهاينة، وقادة العالم الذين ناشدتهم في رسالتك الهزيلة، هم من يحجّون إلى الأرض المحتلة لدعم الجلّاد والمطالبة بترحيل أو تصفية أصحاب القضية. كلا يا صلاح لسنا سواسية مع إسرائيل ومن يدعمها من غرب استعماري يتعاطى مع أهنا وأهلك بفوقية وبمنطق السيد والعبد.
والمؤذي أكثر، أن 150 مليون شخص حول العالم شاهدوا فيديو صلاح خلال 24 ساعة، فكيف كان سيكون التأثير لو أن صلاح قال الحقيقة ـ الحقيقة فقط من دون زيادة أو نقصان ـ بأن هناك محتلاً يرتكب إبادة جماعية بحق أهل الأرض، بحق أطفال في مستشفى، لا ذنب لهم سوى أنهم أصحاب أرض وأصحاب حق؟
رسالة صلاح يمكن أن يوجّهها لاعب كرة قدم سويدي مثلاً لا يعرف شيئاً عن المنطقة ولا عن عذابات أهلها التي سببها إسرائيل ومن خلفها الغرب. يمكن أن يوجّهها أي شخص أو رياضي عادي آذاه مشهد استهداف الأبرياء، دون أن يعرف حقيقة القصة. أما أنت الذي ترعرعت في مصر فتعرف جيداً حقيقة الأمر، ولا تحتاج إلى من يدلّك على الجلاد.
رسالة صلاح لاقت انتقادات واسعة جداً من الجماهير العربية والعالمية، بينما كان هناك بعض المرحّبين الذين اعتبروا أنه ليس على صلاح «أن يحمل بندقية ويقاتل»، وأخذوا يلتمسون له الأعذار بأنه مجرد لاعب كرة قدم. ولكن جولة صغيرة على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر حجم الانتقادات الهائلة التي وُجّهت إلى من كان يُعرف بـ«فخر العرب». لم يتحمّل بعض المصريين الذين كانوا يتخذون من صلاح مثلاً أعلى هذا «التخاذل»، معتبرين أنه سقط في أبرز امتحان وهو امتحان الأمة. وقال البعض إن ما طرحه محمد صلاح يُعد نموذجاً «لخطاب العملاء والجبناء».
الجماهير العربية غاضبة من صلاح، خاصة أن النجم الفرنسي كريم بنزيما هُدّد بسحب جنسيته بسبب تضامنه مع فلسطين، كما أن أنور الغازي ونصير مزراوي وغيرهما الكثير تعرّضوا لعقوبات ظالمة من أنديتهم الأوروبية، ولكنهم قالوا كلمتهم... سقط صلاح في الاختبار، وبالتأكيد أن ما بعد هذه السقطة ليس كما قبلها، لأنه هنا تحديداً لا مكان للحياد والرمادية. اختار صلاح أن يكون بخير في الغرب، بينما أهله يُقتلون بدم بارد هنا، ولكنهم لن يسقطوا كما فعل.