لم يكن المنتخب الإماراتي الوحيد الذي صُدم بخسارته امام لبنان في تصفيات المونديال، لأن لسان حال الذين كانوا خارج الملعب او بعيدين عن شاشة التلفزة، كانوا يسألون عن صحة الخبر الذي وصل الى مسامعهم، اذ ان الجمهور اللبناني كان أشبه بضامن للخسارة بقدر ضمان الاماراتيين للفوز قبل اللقاء! ردّ الفعل هذا كان مبرراً من جانب متابعي الكرة اللبنانية لكونهم اعتادوا قراءة وسماع اخبار منتخبهم يُهزم هنا وهناك، لكن اللافت والمفاجئ في آن واحد، كان حجم المتابعة للمباراة الاخيرة، وخصوصاً ان السداسية التي دكت بها كوريا الجنوبية مرمى المنتخب الأحمر كان من شأنها ان تزيد من الاحباط الموجود اصلاً عند المتابعين، وأن تدفعهم الى ادارة ظهورهم مجدداً للعبة.
دلالات كثيرة يحملها هذا الاهتمام الذي رافقته مواكبة جماهيرية مميزة في مدرجات المدينة الرياضية من دون الاكتراث للاستمرار في قرار منع الجمهور من حضور المباريات في الملاعب. والدلالة الاهم في هذه النقطة هي ان توافد هؤلاء المشجعين الذين تضاربت الاحصاءات حول عددهم (بين 6 و8 آلاف متفرج)، دحض جميع الاقوال المؤكدة ان الشارع الرياضي اللبناني لم يعد يكترث لكرة القدم، حيث تبيّن أن إعطاء سبب وجيه للمشجعين للقدوم الى الملعب يمثل عاملاً حاسماً لكسب أصواتهم في المدرجات، التي يفترض ان تغصّ بهم عندما يواجه منتخب لبنان نظيره الكويتي بعد بناء جسر من الثقة بينهم وبين صانعي الفوز، بفعل النتيجة المحققة. والسبب قبل مباراة الامارات كان الدعوة الى التفاعل مع حاجة رجال المنتخب الى كل صوت تشجيعي لشدّ أزرهم.
ومن تلك المباراة تخرج دلالات اخرى، اهمها الفنية، إذ إن الدور الفاعل الذي قام به رضا عنتر، حيث ظهر الفارق في المستوى بينه وبين كل لاعبي المنتخبين على ارض الملعب، يدل على ان حضور اللاعب المحترف وتأثيره في سير اي لقاء دونه اللاعب المحلي، اذ إن الذهنية التي يكتسبها اللاعب في الخارج لا يمكن ان يحوزها محلياً. وهنا الدعوة الى الاندية التي تريد فعلاً خدمة الكرة اللبنانية،
لفكّ أسر كل لاعب يحصل على عرض خارجي لا الوقوف في وجه طموحاته، حيث ان اداء حسن معتوق امام الاماراتيين مثلاً، يشعر المرء بخيبة عدم تحوّل هذا الفتى الموهوب إلى اللعب في الخارج (جاءه عرض من فريق شنزن روبي الصيني مطلع العام الماضي)، ما سيرفع من مستواه ومستوى المنتخب على نحو عام.
كذلك تعكس المباراة دلالة اخرى هي انه إذا وُفّرت الاجواء الايجابية للاعبين والجهاز الفني فإنه بامكانهم الخروج بنتائج طيّبة مهما كانت صعوبة المواجهات، وهذا ما حصل منذ بداية حقبة الألماني ثيو بوكير لا قبلها.
صحيح ان بين لبنان والامارات الكثير اذا ما تحدثنا عن الامكانيات، لكن الروح العائلية التي عمّت اجواء المنتخب، وبرزت بوضوح بين عنتر ويوسف محمد عقب اللقاء إثر الحديث عن مشاكل بينهما، واحتفال اللاعبين بحمل بوكير، ليست موجودة في المعسكر الاماراتي، حيث بدا جليّاً ان الودّ مفقود بين عناصره والمدرب السلوفيني ستريشكو كاتانيتش، لدرجة أنه لم تكد صافرة الحكم تعلن نهاية اللقاء حتى بدأ الحارس ماجد ناصر علناً يلقي باللوم في الخسارة على المدرب!
كم كان سيحلو المشهد لو وجد ذياب عوانة مع «الأبيض» المهزوم على أرض المدينة الرياضية، وخرج مكسور الكبرياء، التي يبدو أن معظم لاعبي منتخبه «المغنّجين» اصيبوا بها، حيث كان المسؤول الاعلامي يذهب الى حدّ استجدائهم من اجل الموافقة على اعطاء تصريح لأحد الصحافيين خلال التمارين عشية المباراة.
دلالات كثيرة وخلاصة واحدة: الكرة اللبنانية مريضة لكنها لم تمت.