التاريخ إن حكى سيحكي عن منتخباتٍ معيّنة طبعت نسخات كأس العالم بطابعها الخاص، وبينها سيذكر قصص منتخبَين عظيمين تُوّجَ كلٌّ منهما باللقب الغالي في مناسبتين.سيحكي هذا التاريخ عن الأرجنتين مع ماريو كيمبس ودييغو ارماندو مارادونا، وسيحكي عن فرنسا مع ميشال بلاتيني وزين الدين زيدان، ومن ثم سيأتي على ذكر ليونيل ميسي وكيليان مبابي وغيرهم من نجوم العصر الحديث.

أسماء كبيرة حضرت بقوة على الصعيد الفردي، إذ لا يخفى أنه في الأعوام الـ 20 الأخيرة على الأقل، اتفق كثيرون بأنه ليكون لديك فريق قوي عليك أن تضم لاعبين فرنسيين وأرجنتيّين. هم فعلاً أكدوا هذا الكلام في المونديال الحالي. الأرجنتين بعنادها الجماعي، وفرنسا بالحلول الفردية الكثيرة التي تملكها. هما اليوم على مشارف فكّ الارتباط على اللائحة الذهبية للفائزين بالكأس الأغلى، وذلك بعدما التقيا سابقاً ثلاث مرات على الساحة المونديالية، ففازت الأرجنتين في مباراتين، وخسرت الأخيرة (3-4) في دور الـ 16 للنسخة الماضية. خسارةٌ أرسلت فرنسا باتجاه منصة التتويج، وهي التي لم تسقط في آخر 10 مبارياتٍ مونديالية أمام أحد منتخبات أميركا الجنوبية، لكن المفارقة أن سقوطها الأخير على هذا الصعيد كان أمام الأرجنتين (1-2) بالتحديد في دور المجموعات للبطولة التي استضافتها الأخيرة وفازت بلقبها عام 1978.

إرث لا يموت
وبين الماضي والحاضر تغيّرت الكثير من الأمور بالتأكيد، لكن ما لم يتغيّر هو الإرث الذي تركه المنتخبان منذ زمنٍ بعيد، ويتجلى أرجنتينياً في الأجواء الرومانسية التي تحيط بالنجم الأول ميسي، حيث الحنين إلى أيام مارادونا، وإلى تلك الملاحم الشهيرة التي سطّرها في مونديال 1986 ليرفع الكأس العالمية الثانية لبلده. وفي المونديال الحالي فعلها «ليو» ممرراً كرات حاسمة مستحيلة، ومسجلاً أهدافاً مهمة، ليتعاطف معه العالم أجمع ويتمنى كثيرون أن يكون الذهب بين يديه في نهاية المطاف كعربون شكرٍ لكل ما قدّمه لكرة القدم عبر السنوات الماضية وامتداداً إلى محطته الأخيرة في أكبر عرسٍ كروي.
فوز فرنسا باللقب يعني أن العالم سيكون أمام مرحلة سيطرة الفرنسيين على اللعبة لسنواتٍ طويلة


الإرث فعلاً يتجلى فرنسياً مع وصول «الديوك» إلى نهائي كأس العالم للمرة الرابعة منذ الفوز باللقب الأول عام 1998، وهو ضعف مشاركة أي منتخب في النهائي خلال هذه الفترة، ليكون حامل اللقب أمام إنجازٍ استثنائي حيث يصبو للاحتفاظ بالكأس، وهي مسألة لم يسبقه إليها سوى إيطاليا (1934 و1938) والبرازيل (1958 و1962). إرث النجوم السابقين يتجلى اليوم قوةً وأسماءً، إذ يكفي أن نعود إلى ذاك المونديال المذهّب الأول ونستذكر اسم ذاك الظهير الأيمن الذي حسم مباراة نصف النهائي بهدفيه أمام كرواتيا. هو ليليان تورام الذي يطلّ نجله ماركوس الآن بالقميص الأزرق، ليعكس معادلةً يخافها العالم حالياً، وهي أن تطوّر الكرة الفرنسية لا يتوقف بل هي تولّد سنوياً نجوماً كثر، لدرجةٍ يمكن القول أن الفرنسيين يملكون على الاحتياط منتخباً قوياً آخر، ومنتخباً لا يقلّ شأناً من المصابين، وأيضاً من المستبعدين عن البطولة.

العالم ينتظر منقذاً
ببساطة إذا فازت فرنسا باللقب، سيكون التفسير الوحيد هو أن العالم سيكون أمام مرحلة سيطرة الفرنسيين على اللعبة لسنواتٍ طويلة، وهم الذين ما انفكوا يقدّمون نجوماً كبار إلى أكبر البطولات، وقد تجلّت آخر إنجازاتهم على هذا الصعيد في حمل قائد ريال مدريد الإسباني كريم بنزيما الكرة الذهبية التي اخترعوها بأنفسهم من خلال مجلة «فرانس فوتبول» المتخصّصة.
بطبيعة الحال هو النهائي الرقم 11 بين منتخبٍ لاتيني وآخر أوروبي، والتفوّق تاريخياً لأبناء أميركا الجنوبية بسبعة ألقابٍ بينها اثنين للأرجنتين، مقابل ثلاثةٍ لمنتخبات «القارة العجوز» حفلت بانتصارٍ فرنسي صارخ على البرازيل عام 1998.
انتصارٌ وسمه زيدان بهدفيه فكان بطل النهائي، الذي ينتظر هذه المرّة أيضاً إبداعات فردية في ظل مواجهةٍ بين التاريخ الذي يمثّله ميسي القادر أن يصبح أكثر لاعبٍ مساهمةً بالأهداف في تاريخ المونديال بعدما سجل 11 هدفاً ومرر 8 كرات حاسمة، وبين المستقبل الذي يمثّله مبابي الذي قد يكون أصغر لاعبٍ يسجّل في نهائيين متتاليين.
هما سيكونان المفتاحان من دون شك في النهائي، لكن هناك مفاتيح أخرى لكلٍّ منهما قد تحدد نتيجة المبارزة، منها ما يقدّمه «الألبيسيليستي» من فدائية على أرضية الميدان بحيث إن معدل التسديدات على مرماهم لم تتخطَ الـ 5.7 تسديدة في المباراة الواحدة، وهي النسبة الأقل بين جميع المنتخبات المشاركة، بينما للفرنسيين أسماء كثيرة يمكنها أن تحدث الفارق، بحيث أن كل الخطوط شاركت في عملية تشكيل الخطورة على المنافسين، وفي هزّ الشباك. من الهداف التاريخي لفرنسا أوليفييه جيرو، مروراً بمستقبل الوسط أوريليان تشواميني، ووصولاً إلى الظهير الأيسر ثيو هرنانديز، وطبعاً بوجود الجندي المجهول في هذه البطولة أنطوان غريزمان الذي صنع فرصاً أكثر من أي لاعب آخر في المونديال الحالي (21 فرصة).
إذاً كأس العالم ستطوي صفحتها الأخيرة لتحفظ اسماً ذهبياً جديداً بين سطورها بعد شهرٍ عاصفٍ مرّ بسرعة البرق لشدّة روعة وجمالية وحماسة المباريات التي ارتقت إلى مستوى التوقعات وأكثر.