لن يخرج المغرب من كأس العالم الحاليّة كما دخلها. أمور كثيرة تغيّرت، أهمها الإيمان بأن أوروبا ليست قدراً، وأن أفريقيا وآسيا وغيرهما من الدول التي صُنفّت على أنها «أقل» في كرة القدم قادرة على الفوز وتحقيق الألقاب. منذ اللحظة الأولى، آمن «أسود الأطلس» بأنفسهم، وكانوا على يقين بأنهم قادرون على تحقيق إنجاز لهم ولعائلاتهم، كما لبلدهم وقارّتهم التي أنهكها الاستعمار، وسُرقت ثرواتها على يد من يدّعي الحريّة والتقدم.كان المدرّب وليد الركراكي أوّل الحالمين عندما قال: «الحلم مجاني ولا أحد بإمكانه منعنا من ذلك». وأضاف: «ليس المنتخبات الأخرى من ستمنحنا كأس العالم، أو أكبر المنتخبات الأوروبية، لأنهم يحبون أن تبقى المنافسة بينهم ويكسبون اللقب، ولكن يجب علينا أن نبحث عنه». وبعد الفوز على بلجيكا وإسبانيا والبرتغال، والتأهل إلى المربع الذهبي، ووضع المغرب بين أفضل 4 منتخبات على مستوى العالم، كشف المدرب الشاب عن كلّ ما يدور في نفسه: «سأكون قاسياً شيئاً ما وأقول إننا لم نفعل أي شيء حتى الآن، ولكننا على بعد لقاء واحد من المباراة النهائيّة، ويجب أن تكون قوياً للفوز علينا». رسالة واضحة بأن المغرب قادر وجاهز للمواجهة رغم الإصابات الكبيرة التي أصابت أبرز نجومه.
وصل المغرب إلى نصف النهائي من دون أن يخسر أي لقاء في أصعب مسار ممكن، حتى إن شباكه لم تتلقَّ سوى هدف واحد في 5 مباريات، سجله المدافع نايف أكرد بالخطأ في مرماه.
هذه النتائج لم تكن وليدة الصدفة، بل نتيجة للعمل الجاد والتفاني من الجميع، لاعبين وجهازاً فنياً واتحاداً، ومن خلفهم شعب آمن بنجومه. والأكيد أن مواجهة المغرب لن تكون سهلة على أيّ منتخب بعد الآن، حتى لو كانت فرنسا.
هذا الإنجاز يحمّل المغاربة مسؤولية كبيرة، لكنه في الوقت ذاته يعطي الرياضة المغربيّة دفعة كبيرة نحو التقدم والتطور. هو من شأنه أن يحفّز عمل الجامعة الملكيّة المغربية لكرة القدم من أجل تطوير عمل الأندية والأكاديميّات، وبالتالي تطور قطاع كرة القدم ككل، لكي تكون المشاركة المقبلة في مونديال 2026 على مستوى النسخة الحالية وأفضل أيضاً.
لن يخرج المغرب من المونديال كما دخله، والأكيد أن دولاً كثيرة في أفريقيا وآسيا وأميركا، ستنسج على منوال «أسود الأطلس» وستبدأ بالتحضير للمستقبل على قاعدة أنها أيضاً قادرة على الحلم، والذهاب بعيداً في كأس العالم.