ملايين تابعوا النزال الأحد الماضي بين بطل الملاكمة الشهير المعتزل، الأميركي فلويد مايويذر، ونجم مواقع التواصل الاجتماعي لوغان بول. اعتُبر النزال «استعراضياً» بشكل رسميّ، كون بول ملاكماً هاوياً لم يسبق له أن واجه أيّ ملاكم محترف في حياته، ومن خلال تصنيف نزالاته كـ«استعراضية» يتجنّب الحاجة إلى الاستحصال على رخصة، تُفرض على كل من يريد ممارسة الرياضات القتالية بشكل محترف!
الشهرة الخيالية التي يتمتّع بها الرجلان جعلت من هذا النزال محط أنظار ملايين من المتابعين، الذين هم بجزء منهم متابعون لرياضات قتالية، وبجزء آخر من متابعي لوغان بول على صفحاته الاجتماعية أو على «يوتيوب». النزال كان مملاً، ولم يشهد أي لحظات مثيرة أظهر فيها أحد الملاكمين مهارات خاصة (لم يضطر مايويذر إلى ذلك أصلاً كونه ينازل منافساً هاوياً).
لكن، وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة التي طاولت النزال، وبعد أن وصفه كثر من المشاهدين بالمهزلة، حصد مايويذر رقماً قريباً من 120 مليون دولار بحسب تقديرات، فيما حصل بول على عشرين مليوناً.

بالنتيجة، بات جلياً أن «شخصيات الإنترنت» قد كشفت النقاب عن منجم ذهب، فهذا النوع من النزالات الاستعراضية بين «المشاهير» لم يكن معهوداً قبل سنوات، بل رأيناه لأوّل مرّة عام 2019، عندما نازل لوغان بول نجماً هاوياً آخر. وبلا شك، ومع مبالغ كتلك المذكورة أعلاه، هذا النوع من النزالات قد وُجد ليبقى طويلاً، ربما إلى حين خروج أحد الهواة من نزال ما بضرر جسدي حقيقي.

صداع دانا وايت و«UFC»
تردّد صدى هذا النزال في أرجاء عالم الرياضات القتالية، ولا سيما داخل منظمة «UFC»، التي تشتهر بأنها أقوى منظمة لرياضة الفنون القتالية المختلطة «MMA» في العالم، وتُؤوي أهم الأسماء في الرياضة المذكورة.

منذ فترة ليست بقصيرة، تشهد «UFC» تململ عدد من أبرز نجومها من المبالغ «الضئيلة» التي يجنونها بالمقارنة مع نجوم رياضة الملاكمة على سبيل المثال، لذا هي لم تكن تحتاج إلى هذا النوع من النزالات الاستعراضية لـ«فتح جراح» مقاتليها. فنزال مايويذر- بول قد سلّط الضوء مجدداً على ضعف الأجور التي تدفعها الشركة المقدرة قيمتها بـ10 مليارات دولار.

من الأسماء الكبيرة التي بادرت إلى انتقاد المبالغ التي يجنيها مقاتلو المنظمة، بطل الوزن الثقيل، المقاتل الكاميروني فرانسيس نغانو، الذي قال في تغريدة على «تويتر»: مايويذر وبول جنيا 100 مليون و17 مليوناً، أين الخطأ في الذي نقوم به»، في إشارة إلى الأجر الذي يتقاضاه من «UFC».

أمّا النجم الآخر الذي عبّر عن امتعاضه من ضعف أجره بعد النزال، فهو المقاتل في فئة الوزن المتوسط، النجم البرازيلي باولو كوستا، الذي بدا غضبه واضحاً من خلال تغريداته على «تويتر»، قال فيها إن على «UFC» أن تدفع له ما يستحقّه من المال، وأنّ أي مبلغ أقل من 350 ألف دولار للنزال هو مزحة، معتبراً أن نزال مايويذر- بول قد عرّى المنظمة والـ«بزنس» الذي تقوده. تصريح كوستا هذا لم يرق لرئيس المنظمة دانا وايت، الذي رد منتقداً البرازيلي على أدائه في نزاله الأخير الذي خسره بـ«الإيقاف» أمام البطل النيجيري إزرايل أديسانيا.

حمّى النزالات الاستعراضية تجتاح عالم الرياضات القتالية، وتسلّط الأضواء في الوقت عينه على الأجور الضعيفة التي يتقاضاها نجوم «UFC» (أ ف ب)


فرصة لا تُعوّض
أمام الملايين التي يتقاضاها هؤلاء النجوم مقابل نزال هاوٍ واحد، كان من المتوقّع رؤية عدد كبير من الرياضيين المحترفين يتبرّعون لمواجهة مشاهير من خارج عالم الرياضة داخل الحلبة. الوجهان الأكثر إثارةً للشهيّة اليوم هما بلا شك الأخوان جايك ولوغان بول، اللذان جنيا عشرات الملايين في العامين الفائتين جرّاء نزالاتهما الاستعراضية.

ويكاد يوم لا يمر من دون أن يتبرّع أحد مقاتلي «UFC»، بذكر اسم أحد الأخوين من أجل الحصول على انتباههما، أملاً في الحصول على فرصة لمبارزة واحد منهما. أمّا عدد هؤلاء المقاتلين الذين قاموا بمسعاهم، فبات لا يُحصى.

أحد الذين نالوا «شرف» منازلة أحد الأخوين بول، هو مقاتل «UFC» المعتزل، الأميركي بن آسكرن، المعروف بأنه أحد أفضل المصارعين في العالم. هذا الأخير، وبعد أن أعلن اعتزاله من الفنون القتالية المختلطة، رأى الفرصة متاحة لجني مكسب سهل، فنجح في ضرب موعد في الحلبة مع جايك، الذي بدوره لم يكن يحلم بمنافس أفضل من آسكرن، كون الأخير، وعلى الرغم من مهاراته العالمية في المصارعة، يكاد يجهل كيفية استخدام يديه، ناهيك بممارسة الملاكمة.

في المحصّلة، استطاع بول، الذي يمتلك مهارات لا بأس بها في الملاكمة، من هزيمة آسكرن بالضربة القاضية في الجولة الأولى من النزال. وبعد الهزيمة بدقائق، خرج آسكرن من الحلبة مبتسماً غامراً زوجته، لكونه قد حصل للتوّ على مليون دولار، مقابل دقيقتين من «العمل» فقط!

بعد آسكرن، استطاع بطل الوزن المتوسط السابق في «UFC» تايرون وودلي، من حجز مكان له داخل الحلبة مع جايك بول، في 28 آب المقبل. في الوقت ذاته، يبحث أسطورة الفنون القتالية المختلطة، الكندي جورج سان بيار، عن سبيل لفسخ عقده مع «UFC» من أجل خوض نزال مع بطل الملاكمة المعتزل أوسكار ديلا هويا، في نزال استعراضي أيضاً.

إذاً، حمّى النزالات الاستعراضية تجتاح عالم الرياضات القتالية، وتسلّط الأضواء في الوقت عينه على الأجور الضعيفة التي يتقاضاها نجوم «UFC»، الذين غالباً ما يضطر عدد كبير منهم إلى مزاولة عمل آخر إلى جانب القتال، من أجل تأمين لقمة عيشهم. وأمام منجم الذهب المكتشف حديثاً، والأجور التي تتيحها لهم هكذا نزالات، ستعلو أصوات مقاتلي المنظمة الأكبر في العالم، للفنون القتالية المختلطة، مطالبين بتحسين أجورهم، وسيزداد معها صداع دانا وايت.

النزال كان مملاً، ولم يشهد أي لحظات مثيرة أظهر فيها أحد الملاكمين مهارات خاصة (أ ف ب)