لم تكن كأس أوروبا لكرة القدم يوماً إلا البطولة الأفضل على مستوى العالم، إن كان تنظيمياً أو فنياً. هي في نظر الكثيرين أقوى من كأس العالم حتى، إذ إنها تضم صفوة منتخبات العالم وقلّة من منتخبات الصف الثاني بعكس المونديال الذي يستقبل أحياناً منتخبات ضعيفة.النسخة الحالية من «اليورو» التي تنطلق الليلة هي غير عادية أصلاً، فقد أرادها القيّمون منذ سنوات أن تكون استثنائية من خلال توزيعها على مدنٍ أوروبية مختلفة احتفالاً بها. وهذه النسخة أصبحت غير عادية أكثر عندما تمّ تأجيلها منذ الصيف الماضي إلى الصيف الحالي بعد تفشي وباء «كورونا» في «القارة العجوز» وتسبّبه بموت آلاف الضحايا في البلدان المختلفة.
من هنا، يمكن إطلاق تسمية «نسخة التحديات» على «يورو 2020» لأن الظروف الصحية والكروية وتالياً الفنية فرضت مقاربةً مغايرة لها وتركت الجميع أمام تحدٍّ من نوعٍ آخر يبدو جليّاً قبل انطلاق البطولة وسيظهر أيضاً خلالها.
التحدي الأول يمكن الإضاءة عليه انطلاقاً من كلامٍ أمس لمسؤول رفيع المستوى في منظمة الصحة العالمية حذّر فيه بأن أوروبا لا تزال ضمن دائرة الخطر في ما خصّ «كورونا»، منبّهاً من التجمعات والأحداث الرياضية. لكن الواضح أن الحكومات تستخدم كرة القدم مرةً جديدة لرفع معنويات شعوبها ومعالجة هذه الشعوب نفسياً بطريقةٍ غير مباشرة، وذلك بعدما تأثرت أعمالها جراء النكسات الاقتصادية والمالية التي تسبّبت بها الجائحة، إضافةً إلى ما تركته من تأثيرات بسيكولوجية عليها جراء الحجر الطويل وفترات الإغلاق القسري.
لذا بدت الحكومات وكأنها في سباقٍ لإثبات أنها يمكنها كسب معركة ضد الوباء، وذلك لناحية إصرارها على إيجاد حلولٍ لأي معوقات تحول دون دخول الجماهير إلى الملعب ولو بشكلٍ جزئي، وهو أمر كان ضمن شروط الاتحاد الأوروبي للعبة من أجل الإبقاء على شرف الاستضافة في المدن التي مُنحت سابقاً الضوء الأخضر لاستقبال المباريات.
كأس أوروبا هذه المرّة ستساهم في إعادة المجتمعات الأوروبية إلى حياتها الطبيعية


إذاً هو تحدٍّ اجتماعي – صحي على مستوى عالٍ، ما يعني أن كأس أوروبا هذه المرّة ستساهم في نهضة المجتمعات الأوروبية وإعادتها إلى حياتها الطبيعية بعد النكسات المتتالية التي عرفتها.
كرويّاً هناك تحدٍّ من نوعٍ آخر ينطلق عملياً من خلال الاتحاد الأوروبي الذي لا يمكنه التفريط ببطولةٍ تدرّ عليه الملايين وتساهم في عملية تطوير اللعبة في القارة الأهم على صعيد كرة القدم. كما أن «اليويفا» يتحدى نفسه وخصومه بإقامتها رغم المخاوف الصحية كونه لا يمكنه التراجع بعد الآن أو تفويت أي فرصة للردّ على منتقديه، وخصوصاً بعد تلك المواجهة الشهيرة التي خرجت بها أندية كبيرة بإطلاقها «الدوري السوبر»، مشيرةً بشكلٍ واضح من خلال خطوتها إلى أن الاتحاد القاري عاجز عن الارتقاء إلى مستوى التحديات التي فرضها الواقع الجديد المتأثرة به الأندية سلباً تحديداً من الناحية المالية بفعل تراجع أرباحها بعد ابتعاد الجماهير عن الملاعب.
أما فنياً فتبدو البطولة حاجةً ماسّة للمنتخبات كافة التي تقف أمام تحدٍّ يحمل العنوان البدني بالنسبة إلى لاعبيها الذين عاشوا ضغطاً غير مسبوق لاستكمال الموسم الماضي وإنهاء الموسم الحالي، ما يعني أن هذه النسخة أيضاً استثنائية بالنسبة إلى المنتخبات التي لم تعرف فترةً طبيعية منذ ما يقارب السنة وأكثر بعد تقلّص روزنامتها وعجز المدربين عن تطبيق كل تلك الاستراتيجيات التي وضعوها من أجل «اليورو»، والتي أُجبروا لاحقاً على تغييرها.
أما نحن معشر الكرة، فسنكون أمام موعدٍ كبير يجبرنا على تغيير كل مشاريعنا ومواعيدنا لمتابعة أمسيات ننتظرها كل 4 سنوات، وقد طالت علينا هذه المرّة سنةً إضافية، ما يعني أن الشوق أكبر للاستمتاع بالحدث الذي سيكون بلا شك حديث العالم لشهرٍ كاملٍ.