قبل عشرة أعوام، كانت بطلة الملاكمة السورية العالمية عزة عطورة حديث الصحافة والأوساط الرياضية، وهي تسجل آخر ألقابها في بطولة كأس العالم للمتميزين برياضة «الكيك بوكسينغ» في روسيا عام 2010. بعدها، وبسبب الظروف التي مرت بها البلاد، غابت عطورة عن المشهد بعد اعتزالها الرياضة، وفي رصيدها ثمانية ألقاب عالمية.لم تتوقف عزة (من مواليد 1974) عن الإنجاز، لكن بصيغة مختلفة، بعد أن قررت تحويل نشاطها الرياضي إلى نشاط مجتمعي، من خلال تعليم الأشخاص قواعد الحماية الذاتية، وكيفية الدفاع عن أنفسهم. على امتداد عشر سنوات تقريباً، درّبت عزة مئات الأشخاص من مختلف الأعمار والبيئات والخلفيات الثقافية.
تقول لـ«الأخبار»: «استثمرت خبرتي الرياضية في صياغة منهج خاص بالمنطقة التي نعيش فيها، نظراً إلى خصوصية مجتمعنا، واختلاف مفاهيمه، وتفاوت درجات المعرفة فيه، فردياً ومجتمعياً». أطلقت عطورة على برنامجها التدريبيّ اسم «عزّتي»، ورفعت له شعاراً هو «عزة المجتمع من عزة الأفراد». يهدف المشروع إلى توسيع الشريحة الواعية لموضوع الحماية الذاتية والدفاع عن النفس، وتقدم عزة ــ بالتعاون مع فريقها المختص ــ من خلال هذا البرنامج، معلومات نفسية وسلوكية ورياضية، لكل الفئات المتدربة.
لسنوات طويلة، كان محمد علي كلاي مثلها الأعلى. ومنذ طفولتها، شغفت عزة بالرياضات التي تتركز بالاستحقاق عن طريق النزال، وهذا ما دفعها لتكون أول امرأة في سوريا تزاول رياضات عنيفة، مثل الملاكمة والتايكواندو، بعد أن تنقّلت بعمر مبكر بين ألعاب أخرى كالتنس وكرة السلة وألعاب القوى والسباحة. بعد اجتيازها المرحلة الثانوية، انتقلت ابنة مدينة حماة للعيش في العاصمة، ودرست الفنون الجميلة. في دمشق تعرّفت على صنوف الرياضات القتالية التي تحبها، لتلتحق بالتدريب، وتبدأ رحلتها مع البطولات وتحقيق الألقاب، إلى جانب متابعة عملها في التصميم الإعلاني، وممارسة هواياتها الموسيقية.
لم يشكّل المجتمع عائقاً أمام طموح عزة وإنجازاتها، «في أي مرحلة من المراحل» على حدّ تعبيرها. ترى أن قبولها نداء الشغف الذي حركها منذ الصغر، هو «خدمة للمجتمع، وكسر للصورة النمطية عن المرأة الضعيفة الخانعة، التي (لا تستطيع)». من وجهة نظرها، إن «مجتمعنا الشرقي ليس منغلقاً، بل هو متعطش إلى المعرفة فقط». دليلها على ذلك أن «هذا المجتمع نفسه أفرز سيدات كثيرات رائدات، في شتى المجالات الرياضية والعلمية والفنية والثقافية، وحتى السياسية».
سعت عطورة إلى النجاح في المجال الذي شعرت به متفوّقاً داخلها على كل الرغبات. ومرّنت محيطها وعائلتها على تقبّله بفخر، وواصلت المسير فيه بكامل اقتناعها، مع أنه حرمها أشياء أخرى، كالزواج والأمومة. ترى عزة أن «مشروع الزواج مبنيّ على القدرة على التشاركية، ومتى انتفى هذا الشرط، انهار المشروع حتماً. أنا اخترت الشيء الذي أستطيع، وأثق أن بإمكاني، النجاح فيه». لا تؤمن عطورة بالمساواة، بل بالعدالة. وهي ترى أن «مقدرات الأفراد متفاوتة. بالتالي، نحن مجبرون على تقديم كل ما لدينا، حتى يتساوى الجميع في المعرفة والقوة، وهنا تتحقق المساواة بالعدالة».