«الإنسان الذي صار كلباً»

  • 0
  • ض
  • ض
«الإنسان الذي صار كلباً»

معظمنا، نحن السوريين، مطحونٌ ماديّاً. وفي ظل هذه الحرب المستمرة على وجودنا وكينونتنا، بتنا مثالاً حيّاً على مقولة كارل ماركس: «لا مُثُل، ولا عقائد، وإنما الاقتصاد هو الذي يحكُمُ البشر». لكن اللامعقول الذي وصلنا إليه، أنّ ذاك الاقتصاد لم يكتفِ بالتَّحكُّم بنا، بل بات ينهش حتى إنسانيتنا، لدرجة لم نستغرب معها قصَّة «الإنسان الذي صار كلباً»، التي كتبها الأرجنتيني «أوزوالدو دراغون»، وكانت جزءاً من مسرحية «ثلاث حكايا» التي أخرجها الفنان أيمن زيدان، وتُعرض على مسرح «الحمراء» الدمشقي. بطل الحكاية، الباحثُ عن عملٍ لإعالةِ زوجته وأولاده، ضاقت به السبل في جميع الفصول، رغم تأكيده أن لا ربيع في حياته، سوى «ربيع المآتم» (التَّوصيف للشاعر نزيه أبو عفش) الذي حَلَّ على معيشتنا، جاعلاً السّنة الثامنة للحرب أشدَّ وطأةً وعبثية. هكذا، قبل ذلك الإنسان بوظيفة «كلب حراسة»، ينبح، ويمشي على قوائمه الأربعة. وبسبب وفائه وإتقانه لعمله، كوفئ بذيل جميل! الأنكى، أنه بعد اندغامه بوظيفته الجديدة، لم يعد قادراً على العودة إلى طبيعته الإنسانية، وكأن الوظيفة أعادت تكوين جسده وأعصابه وتلافيف دماغه، لتتعاظم المأساة عندما تخشى زوجته الحامل من أن يكون الجنين في بطنها كلباً. تكرَّرَت في العرض المسرحي صرخة «من الأحمق الذي لا يكره الفقر؟»، وتناسلت التراجيديا، لممثل يُعاني من تفجيرات تمنعه من تحقيق فكرة «مسرح الشارع»، ويؤدي على الخشبة شخصية إنسانٍ مهدودٍ من الفاقة والذُّلّ، ويتوجَّه إلى جمهور مَكْلُوْم لا يعنيه كسر الإيهام، وتحطيم الجدار الرابع، والتغريب المسرحي، بقدر ألمه الحقيقي على الفنان مازن عباس. جَسَّد الأخير، باقتدار، شخصية «الإنسان/الكلب». فتماهى الجمهور معه، وتعاطَفَ أشدَّ التَّعاطُف، ما جعل الملحمية البريختية، كنهج إخراجي، أكثر إمعاناً في إيلام عقولنا وقلوبنا التي ما فتئت تسعى ــ وجدانياً على الأقل ــ إلى إنهاض ذلك الإنسان، وتمسيد عضلات ظهره المُقوَّس. لكن من دون جدوى، وبهزيمة مُدَويّة لإرادتنا، تمثَّلَتْ في نهاية الحكاية تكراراً لما قالته جوقة الممثلين: «ستتعَوْعَوْعَوْعَوَّد».

0 تعليق

التعليقات