«ردّ القضاء»

  • 0
  • ض
  • ض

في تشرين الثاني من عام 2018 حذّر «مكتب متابعة الأصول الأجنبية»، وهو ذراع العقوبات وتطبيقها في «وزارة الخزانة الأميركية»، من أنه سيستهدف بقوة جميع الجهات الفاعلة في نقل مشتقات النفط إلى سوريا، ولا سيّما في النقل البحري، بما في ذلك شركات الشحن والتأمين والبنوك «المتورطة» في عمليات النقل. تلا ذلك إصدار «الاتحاد الأوروبي» حزمة عقوبات جديدة بحق عدد من رجال الأعمال السوريين، ثمّ قطع «قانون قيصر» الأميركي خطوةً إلى الأمام على طريق تطبيقه. على صعيد آخر، علم السوريون أخيراً أن الخط الائتماني الإيراني متوقّف منذ قرابة ستة أشهر. السؤال الواجب الطرح هنا، هل فوجئت الجهات الحكومية بأزمة المحروقات التي تعيشها البلاد؟ وهل كانت هناك حاجة إلى إنذارات أوضح ممّا سبق؟ لن يختلف اثنان على دور العقوبات الظالمة في ما يعيشه السوريون اليوم، لكنّ عاملاً آخر فاقمَ من مفاعيل العقوبات، هو سوء تخطيط وإدارة الموارد السورية. ما الإجراءات التي اتّخذت منذ ستة أشهر إلى الآن؟ هل كانت هناك خطط طوارئ لتأمين شتاء دافئ (كما وُعدنا)، أو لتلافي حدوث «أزمة بنزين ومازوت» كارثيّة، وهما حاملان أساسيان لتحريك الاقتصاد؟ الغريب، أنّ الاهتداء إلى الإجراءات حصل فجأة، فبدأ استيراد البنزين اللبناني، ثم رأينا انتشار صهاريج متنقلة لبيع البنزين. هذا وما زالت العقوبات قائمة طبعاً، ما يعني أنّ الحلول الإسعافية ذاتها كانت ممكنة قبل «وقوع الفأس بالرأس». ثمّ، ألا يحق لنا التساؤل كيف تنفد مادة ما فجأة؟ أليس هناك من يراقب تدفق المواد أو عدمه، وكمية المخزونات، والوقت المقدّر لنفادها؟ حريّ بنا أن نتذكر أنّ كل هذا يحصل، و«قانون قيصر» لم يوقّع ويوضع موضع التنفيذ بعد، فما الذي سيحصل إن وُضع؟ وهل ستُدار الأمور بالطريقة ذاتها؟ لا يمكن أحداً إنكار الحرب الاقتصادية الشرسة ضد سوريا، واستهدافها كل من يقطن مناطق سيطرة الدولة السورية. لكن، في الوقت نفسه، لا تمكن مغفرة الأخطاء القاتلة التي تساعد العقوبات في تحقيق غاياتها بسهولة! ففي المعارك، النيران تظلّ نيراناً مؤذية، وقد تقتل، حتى ولو كانت «صديقة». ماذا أعدّ لنا المخططون الاقتصاديون لأيام ستشتد فيها الحرب الاقتصاديّة؟ ثمة من تفاءل بأنّ «عقد ميناء طرطوس» سيضمن الالتفاف على العقوبات، لكنّ الخبراء القانونيين يؤكدون عكس ذلك. حسناً، هل سنستطيع بعد 50 عاماً أن نستغني عن الشركات المتخصصة بإدارة الموانئ، ونُحلّ محلّها شركة حكومية ضخمة ذات إدارة بكفاءات عالمية اكتسبناها من هذا الاستثمار؟ أم أننا سنبقى كمن يملك اقتصاداً يؤجره للآخرين، كي يحصل على أرباح، من دون مشقّة تعلم «كيف يفعل ذلك بنفسه»؟ المسألة اليوم هي «ماذا نريد أن نكون؟»، بقدر ما هي «كيف سنكون؟». فهل سيلتفت أحدٌ إلى وجوب السعي الحثيث لإطلاق مشاريع اقتصاديّة سياديّة تسهم في تخفيف الوطأة عن قطاع الطاقة، كتوليد الطاقة الشمسيّة مثلاً؟ هل سندرك أن المشاريع الاقتصاديّة السيادية وحدها الكفيلة بعودة البلاد تدريجاً إلى «الاكتفاء الذاتي»؟ إنّ مفتاح النجاح الاقتصادي الوحيد، أن نبني اقتصاداً نملكه، حينها فقط يمكننا التّفاؤل بأنّ «ردّ القضاء» أمر ممكن.

0 تعليق

التعليقات