على غفلةٍ منهم وبلا سابق إنذار، فوجئ تجار البزورية في سوق مدحت باشا، بمنطقة دمشق القديمة، صباح الثلاثاء الفائت، بعمليات حفر ونزع الأرضية الحجرية للسوق. تأتي العمليات بهدف «ترميم الأرضية وإعادة رصفها من جديد بعد زيادة طبقة اسمنتية لتسوية التعرجات والانحناءات في الطريق»، بحسب ما بيّن متعهد المشروع لأصحاب المحال.المشروع المثير للدهشة في توقيته وهدفه، خلّف موجة من الاستغراب بين تجار السوق وزبائنه الذين ينتظرون بفارغ الصبر موسم الأعياد السنوية، وخاصة عيد المولد النبويّ الذي يصادف بعد أيام. ومن المعروف أن سوق البزورية متخصص في بيع السكاكر والشوكولا والفواكه المجففة والمكسرات والتوابل والملبّس المشهور في مناسبات الدمشقيين وأعيادهم.
في الطريق الممتدة بين «سوق مدحت باشا» و«سوق الصاغة القديم» انكفأ أصحاب المحال إلى داخل حوانيتهم، بعد أن جمعوا معروضاتهم المتنوعة والملونة حفاظاً على نكهتها وسلامتها من الغبار المتناثر في كل مكان. وانشغلوا بتجاذب أطراف الحديث في ما بينهم عن الوعود التي أطلقها المتعهد بإنجاز العمل خلال مدّة أقصاها عشرة أيام، وهو ما يبدو صعباً بعض الشيء، إذ إن أكوام الحجارة المنزوعة وحدها تحتاج إلى أسبوعين على أقل تقدير لاستكمال عملية تنظيفها من بقايا الإسمنت. واذا ما وضعنا في الحسبان رداءة الأحوال الجوية، فإن الأمر قد يمتد شهراً!
ظهر يوم الأربعاء، كان شادي ذو الغنى، صاحب أحد محال البهارات والمكسّرات، يستعد لإغلاق دكانه قبل موعده المعتاد بساعات طويلة، بعد أن امتنع المارة عن العبور في السوق المقلوبة رأساً على عقب. «لم يدخل دكّاني اليوم سوى أربعة أو خمسة زبائن على الأكثر، وهو أمر غير طبيعي أبداً في هذا الوقت من العام»، يقول شادي لـ«الأخبار»، ويضيف «أمس (الثلاثاء) لم يتسنّ لنا العمل نهائيّاً، إذ كان الوضع سيئاً للغاية والحجارة تغلق الطريق بالكامل».
بدوره، يتحدّث وليد المصري (تاجر مكسرات وتوابل وضيافات) عن أولويات أخرى كان الأجدر بالمحافظة أخذها في عين الاعتبار قبل نزع الأرضية. «نريد أن نحافظ على السوق، ونحن على استعداد للمساهمة في العمل أيضاً، لكن الوقت غير مناسب على الإطلاق»، يقول. ويضيف «سبق أن طرحنا على المكتب المختص في المحافظة ضرورة إصلاح السقف وفتح مصارف مياه، بدلاً من الأنهار التي تنسكب فوق بضائعنا كلما هطل المطر، كما طالبنا مراراً بتغيير كابلات الكهرباء التي أصبحت قديمة جداً قبل أن نلاقي مصيراً مشابهاً لمصير سوق العصرونية (في إشارة إلى الحريق الذي طاول العصرونيّة)».
لا يُبدي التجار اعتراضاً على تنفيذ هذه الأعمال، ويفضلون توجيه «عتب كبير» لعدم إخبارهم بتوقيت البدء بها، أو تأجيلها إلى ما بعد نهاية العام، إلى جانب استفهامات عديدة عن جدوى مشروع كهذا، بينما ينام الآلاف في مساكن شبه مدمرة!