اعتقد أبو خليل اللبن أن اللّوح الخشبي الذي وُضع خلف بسطته في سوق الخضار بحي الشاغور، عائد لمدرسة «الإليانس» بغية وضع صور المتفوّقين عليه. سُرعان ما تذكّر أنّ العام الدراسي لا يزال في بدايته، وموعد الامتحانات بعيد. نسأله «لماذا وُضعت هذه القطعة إذاً»؟ فيقول ضاحكاً «كي أحرقها وأتدفّأ عليها حين يأتي الشتاء»! لم يعِ بائع الخضار الخمسيني أن اللوحة مخصّصة لحملات دعائيّة مفترضة لمرشحي «المجالس المحليّة». بعد أيام، بدأت اللوحة باستقبال بعض الصور التي لا تشبه أبو خليل في شيء، لا شكلاً ولا مضموناً. نعاود الحديث معه، فيؤكّد أنه لم يسمع بأي من تلك الأسماء، رغم أنّه يقطن حي الشاغور الدمشقي منذ عشرين عاماً. لا تؤثر هذه التغيرات على اقتراح أبو خليل، ويظلّ متشبّثاً به «بحرقها وبتدفا عليها. خليني استفيد منها بشي».في إحدى زوايا «معرض دمشق الدولي» تتوزّع بضع طاولات بيضاء، في جناح «وزارة الإدارة المحليّة والتنمية». ينتظر الموظفون الجالسون خلف الطاولات استفسارات من المواطنين حول الانتخابات المقبلة، لكنّ الجناح ظلّ بلا «مراجعين» ساعات طويلة، باستثناء أولئك الذين يسألون عن مياه الشرب، أو دورات المياه. على امتداد ثلاث ساعات ونصف ساعة، استوقفنا مئة واثنين وأربعين شخصاً على مدخل المعرض، لنطرح سؤالاً واحداً: «هل ستنتخب يوم الأحد المقبل»؟ امتنع اثنان وأربعون عن الإدلاء بأي كلمة، وأجاب سبعة وخمسون شخصاً بالرفض، بينما استغرب ثلاثون شخصاً السؤال، مؤكّدين أنهم «لم يسمعوا بهذه الانتخابات، وليس لديهم أي معلومات عنها». فيما ردّ ثلاثة عشر شخصاً بالإيجاب، لكن واحداً منهم فقط أعطانا اسماً صريحاً للمرشح الذي سينتخبه، وكان والده!
تبدو انتخابات «المجالس المحليّة» خارج اهتمام قسم كبير من الشارع الدمشقي بمختلف شرائحه. تجيب الطالبة الجامعية مروة الجردي عن سؤال «الأخبار» بالقول «لا. هل سأنتخب صورة؟». وتضيف «بصراحة لا أعلم عن هذه الانتخابات أي شيء، لم أشاهد أي برنامج انتخابي، ولا أعرف أي مرشّح منهم». يشاركها الرأي صديقها في «كليّة الإعلام» بجامعة دمشق طارق ميري، ويقول «لا أعرف أحداً من أصدقائي ينوي التصويت».
على المقلب الآخر، تطرح بتول صالح وجهة نظر مُختلفة. تقول ابنة محافظة حماة «كنتُ أتمنّى أن أتمكّن من السفر إلى حماة لانتخاب مرشّحي... لقد ربح في دورة سابقة، وكان يتجاوب معنا وينقل صوتنا، وأريد أن يفوز بمقعد مرة أخرى». أما المحامي عبد الفتّاح الداية فيقول «مهما كانت التحفّظات على العمل الحكومي، أو على المسؤولين، فإن علينا احترام الدستور والقانون في أي استحقاق، وهذا ما سيدفعني إلى الانتخاب يوم الأحد». يؤكّد المحامي الثلاثيني أنّ لديه « الكثير من الملاحظات على المرشحين، وحملاتهم الانتخابية، وصورهم... ليس لديّ شهيّة انتخابيّة، لكن احترامي لبلدي سيحتّم عليّ التصويت... سأصوّت ولو بورقة بيضاء».