تذهب قوى 14 آذار إلى الاعتقاد أن الرئيس السوري بشار الأسد، خارجاً منهكاً من أزمة كيانية هزّت نظامه، سيفقد الكثير من قدراته في الإمساك بالوضع اللبناني. تقول أيضاً إن ما يجري في بلاده سيحمله على أن ينأى وقتاً طويلاً عن التلاعب بالتوازن السياسي الداخلي في لبنان. على نقيضهم، يصف بعض قوى 8 آذار اهتزاز الاستقرار في سوريا بأنه صورة مكبّرة لحدث مماثل محتمل في لبنان ـــــ إذا تزايدت الصعوبات الأمنية في سوريا ـــــ هو وضع استقرار هذا البلد بدوره في خطر أكيد. يبدون أكثر اطمئناناً إلى ما يسمعونه من دمشق، مباشرة أو على نحو غير مباشر، من أن قيادتها تعرف أكثر من سواها أنها لا تزال حاجة إقليمية.واقع الأمر أن أفرقاء الطرفين يُكثرون من صور الاستعارات بإزاء أحداث سوريا منذ 15 آذار الماضي. وهكذا لا يجدون متسعاً من الوقت لتوقع إبصار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي النور في وقت قريب.
لكن الصورة هذه تبدو مختلفة بحسب مسؤول لبناني رسمي زار دمشق في الأيام الأخيرة، والتقى المسؤولين الأمنيين الأكثر تماساً مع ما يجري في سوريا، وعاد بالانطباعات الآتية:
1ـــــ فاجأ حجم الاضطرابات التي ضربت مدناً سورية المسؤولين الأمنيين الذين لم يسبق لهم أن خبروا تجربة مشابهة في السنوات الأخيرة مذ تبوأوا مناصبهم، ولا توافرت لديهم معالجة فورية نجمت عن اندلاع الاضطرابات على نحو متزايد. بل لم يسبق للعشرات من مسؤولين أمنيين كبار سبقوهم في الأجهزة الأمنية أن واجهوا اهتزاز استقرار البلاد الذي يعيش، منذ أربعة عقود، ثباتاً متيناً في عهدي الأسد الأب ثم الابن، ما خلا تجربة الاضطراب الوحيدة التي قطعت هذا الاستقرار بتقطع بين عامي 1976 و1982 مع الإخوان المسلمين، حتى حسم الرئيس حافظ الأسد الأمر في حرب استمرت أقل من شهر بين 2 شباط 1982 و28 منه في مدينة حماه، عندما قضى نهائياً على هذا التنظيم.
واقع الأمر أن أجيالاً من السوريين لم تخبر من قبل، في ظلّ صرامة النظام، فوضى واضطرابات.
2ـــــ باغتت المسؤولين الأمنيين سرعة تحوّل الاضطرابات من المطالبة بالإصلاح والحريات وإلغاء قانون الطوارئ إلى المناداة بإسقاط النظام. إلا أن الأكثر مدعاة لقلقهم كان استهداف الرئيس بالذات، ومحاولة تقويض صورته التي حافظت، مع الأب ثم الابن على امتداد العقود الأربعة، على أكثر من احترام يكاد يقارب تحريم مسّها بوضعها فوق النظام نفسه. لم يحل النأي بها دون توجيه انتقادات واتهامات كذلك، وأخصّها بالفساد، إلى الحكومات المتعاقبة، ومرات إلى رؤسائها وإلى وزراء، وإلى الإدارات الرسمية، مطالبة بالمحاسبة والعقاب. وشملت المآخذ الأجهزة الأمنية.
أما صورة الرئيس، الأب بعد الابن، فأحيطت بهالة غير مأذون بمسّها. إلا أن ما حصل أخيراً، وتوجيه اتهامات ونعوت قاسية بلغت حتى المطالبة بإسقاط الرئيس في بعض المدن، توخى في نظر المسؤولين تجاوز المطالبة بالإصلاح إلى تقويض كل مرتكزات النظام، لا الاستقرار فحسب، الأمر الذي لا يُقابل بالتسامح والتساهل حياله.
3ـــــ لن يُقدم الرئيس السوري بعد اليوم على أي خطوة إصلاحية يُفسّرها خصومه بأنها تنازل من السهولة بمكان إرغامه عليه، ويقاربون الخطوات الإصلاحية على نحو مطابق لما حدث في تونس ومصر: كل تنازل يقدمه الرئيس يقتضي أن لا يُعَدّ كافياً ولا مكسباً في ذاته، بل هو مدخل إلى مزيد من المطالب من خلال ضغوط الشارع. حدا ذلك بالمسؤولين الأمنيين إلى تأكيد مسألتين: أولاهما أنه لا تنازلات بعد اليوم باسم الإصلاح بعد رزمة إلغاء قانون الطوارئ والمحكمة العليا وإجازة التظاهر. وثانيتهما عدم ظهور الأسد عبر وسائل الإعلام على نحو ما فعل في وقتين متقاربين بغية استيعاب الاضطرابات: عندما تحدث إلى مجلس الشعب في 30 آذار، ثم في الاجتماع الأول لمجلس وزراء حكومة عادل سفر في 16 نيسان.
في الحالين، يقول المسؤولون الأمنيون، إنه فُهم ظهور الرئيس على نحو مغاير، وبدا كأنه يدافع عن نفسه، فيما رمى إلى تأكيد تمسّكه بالإصلاح وتفهّمه لمطالب الشارع وإضفاء صدقية عليه.
4ـــــ قرّر الرئيس السوري المواجهة مع خصومه، وخصوصاً الإخوان المسلمين والتيارات السلفية الذين فاجأوا المسؤولين الأمنيين بمقدار انتشارهم وتسلّحهم. كان النظام والأجهزة الأمنية، في السنوات الثلاث الأخيرة، قد أخضعا هذه التيارات لمراقبة دقيقة بعد توسّع انتشارها داخل سوريا. ويعزو المسؤولون الأمنيون مصادرها إلى العراق ولبنان ومخيّمات فلسطينية داخل سوريا. كان القلق من تناميها عاملاً أساسياً لتوجيه الأجهزة الأمنية انتباهها إلى الشمال والبقاع الغربي في لبنان حيث تجمعات سلفية وأصولية، وهو ما بات مذ ذاك في صلب الملفات الأمنية المشتركة بين الأجهزة الأمنية السورية واللبنانية، والأكثر تنسيقاً بينهما. حمل ذلك الأسد، قبل أشهر، على منع النقاب في الجامعات والمدارس كأحد عناصر مواجهة التنامي غير المألوف والمهدّد للتيارات السلفية، إلا أن تفاعل الأحداث الأخيرة حمله على إلغاء الإلغاء والسماح به مجدّداً.
ينظر المسؤولون الأمنيون تالياً إلى الأيام المقبلة على أنها ستحدّد المسار الذي ستسلكه المواجهة عبر استخدام الجيش. في ظلّ نظام متشدّد، لا يسع الرئيس السوري القبول بهزيمة الأمن والجيش العقائدي أمام ضغط الشارع الذي يستخدمه المنادون بإسقاط النظام. ويعتقد المسؤولون الأمنيون أن تنفيذ قرار المواجهة يستغرق، بلا مفاجآت سلبية، أسبوعين أو أكثر بقليل.
5ــ منذ بدء الاضطرابات تبلغت القيادة السورية في النصف الثاني من آذار أكثر من رسالة حملها موفد سعودي أبدت استعداد المملكة لدعم النظام شرط تخليه عن التحالف مع إيران ودعم حركة حماس وحزب الله. ويفصح المسؤولون الأمنيون السوريون أن أياً من الرسائل لم تحمل أفكاراً تتصل بعملية السلام مع إسرائيل، مكتفية بربط تنفيذ المطالب ـــــ يقول المسؤولون الأمنيون ـــــ باستعادة سوريا استقرارها.
استخلصت القيادة أن استجابة المطالب تلك تغنيها عن الإصلاح الذي كان الشارع ينادي به من النصف الثاني من آذار، ثم راح منذ النصف الثاني من نيسان يطالب بإسقاط النظام.
4 تعليق
التعليقات
-
اضطرابات سوريا: المواجهة بعد الاسـتيعابأستاذي الفاضل ...لعلك الأقرب إلى فهم النظام السوري ومعرفة مايدور داخله وبعد إطلاعي على مواضيعك الواقعية على الأخبار ... نعم ...الأجهزة الأمنية السورية (المرتاحة جدا ) إلى كل مايدور حولها فوجئت بالأحداث وهي على يقين من عدم تجرؤ اي مواطن على النظام وبعد أستقرار كامل ولأربيعن عاما إذا أستثنينا حوادث حماه وحلب نهاية ثمانييات القرن الماض ...لذلك كانت هذه القوى الأمنية والتي تسيطر على كافة القوى المولجة بحفظ النظام بدءا من الداخلية وصولا إلى الجيش بأستثناء كتائب الحرس الجمهوري غير جاهزة ومؤهلة لماحدث... وأيضا ...فالمطالب لم تشعل شرارة الأحداث بل سوء تعامل هذه الأجهزة مع أبسط الأمور وتعاليها المفرط حقا ... الشعب السوري شعب بسيط يعيش راضيا بأمنه والذي يفضله عن طعامه وعن الترف المطلب المنعدم لدى أغلب الشعب السوري ... الرئيس أخطأ كثيرا في تلبية المطالب وبسرعة ...ففتح شهية معارضين لاخلفية لهم ولاشعبية لهم إلا مجرد ظهورهم لمرات على الفضائيات في أيام سابقة ... ولكن فالشعب السوري الصامت ولكامله بأستثناء القلة من رافعي الصوت لمصالح شخصية يؤيد تدخلا عسكريا لأنه لم يعتد مطلقا على حادث أمني واحد ويتعلق بمقولة سلطان جائر لألف عام ولاحكم سائب لعام واحد (هنا لآالمح مطلقا للرئيس السوري الشاب والذي تؤيده غالبية شعبه)... والأهم من ذلك أنه لم تسنح الفرصة للرئيس لتنفيذ إصلاحاته واتي بدأ بها وبحق ومنذ فترة طويلة لكن الأحداث المتوالية الخارجية قيدت من حركته ... وشكرا لك أستاذنا الفاضل ..
-
ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــنرىسنرى في الأسابيع القادمة من كان على حق وسنرى أيضاً من هم المتآمرون وسنرى سقوط اتفاقيات صهيونية بأيدي عربية عند أقدام الشعب السوري المقاوم
-
ولكن..(رداً على النقاط*1- أما المفاجأة فهي أول دليل على ضعف هذه الأجهزة الأمنية 2- نعم رفع السقف جاء سريعا و إسقاط النظام ليس مطلب شعبي ولكن ما عدا ذلك حتى الحكومة اعترفت بأن المطالب مشروعة 3- التصعيد لم يأتي بسبب الطمع بمزيد من التنازلات و لكن ردأ على العنف المقابل الذي كان يمحي أي أثر فعلي للخطوات الإصلاحية/التصاليحة 4- تجيير المواجهة إلى مسلحة هو الطريقة الوحيدة التي تستطيع الأجهزة الأمنية تحديدا و باستخدام الجيش فرض "انتصارها" 5- السعودية ستدعم و تظهر مزيد من الدعم بالاستنادإلى هذه المطالب ولكن لا هي و لا أميركا قادرة على ضبط الشارع كما يتم الإدعاء - الأهم الموضوع يتجاوز "مآخذ" على الأجهزة الأمنية إلى حقيقة أنها هي سبب المشكلة و أدائها عائق الحل. فالعنف والترهيب هي السلاح الوحيد الذي تعرف و تهوى استخدامه،إضافة إلى تحولها إلى مراتع للمصالح والفساد القادة الأمنيين الجدد بينما يستغلون هالة الرعب التي ورثوها مع مناصبهم
-
احمي عرينك و لا فرق فصغعة الاسد لها طعم اخراحار كيف احادثهم اولئك الذين يدعون الاصلاح واذا ما حاججتهم بانوا على واقعهم الطائفي والمذهبي.لم نعرف عن سوريا ان النظام طائفيا لكننا عرفنا التقارب مع الدول الاسلاميه واخص ايران وما شعرنا بالنزعة الطائفية لابناء سوريا يوما ولكن مع ظهور المال السياسي في لبنان والحركة الحريريه واخرها الكلام عن المال الذي يصنع السلطة ادركنا اي شر يحيط بهذه الامة,ولطالما تغنى ابناء سوريا بها وبرسالتها الخالدة.وقيل في الطب الشبي ان اخر الدواء الكي ونحن نقول في الطائفيه ان اخر الحلول هو البتر والاقتلاع من الجذور ولا تاخذك بهم لومة لائم فالحق سيعلو ولا يعلى عليه ولصفعة الاسد طعم مميز وغد يوم اخر.