تعيش حسناء بيطار (أم شربل) حالاً من القلق والضياع في منزلها الكائن في بلدة إرده في قضاء زغرتا؛ فهي مشغولة طوال الوقت بما يجري من أحداث في أبيدجان. لا تستطيع القيام بأي عمل سوى الاستماع إلى نشرات الأخبار. تمضي طوال الوقت جالسة قرب الهاتف لا تبارحه «حتى إذا اتصل أحد من أولادي يجدني في المنزل» كما تقول. بيطار تمضي معظم أوقاتها مسمّرة أمام شاشة التلفزيون «أتابع الأخبار لحظة بلحظة، أتنقل بين المحطات كي أسمع خبراً يثلج قلبي». حال هذه الأم هي كحال الكثير من الأمهات اللواتي يتخوفن على أولادهن الذين يعملون في أبيدجان حيث المعارك دائرة. «كل مرة أسمع خبراً عن تدهور الأوضاع هناك، أعيش طوال الوقت على أعصابي، ولا أرتاح حتى يكلمني أحد أولادي، فأهدأ للحظات قليلة، من ثم أعود إلى الدوامة عينها»، تقول السيدة بيطار وهي لا تستطيع إخفاء دموعها التي تمسحها عن وجنتيها بمحرمة لا تنزعها من يدها. بيطار متخوفة جداً على أولادها، «لقد حاولت معهم كثيراً أن يبقوا في لبنان، إلا أنهم لم يرغبوا في البقاء». الآن لا هم عندها سوى متابعة أخبارهم. «عندما توفي زوجي لم أستطع أن أمنع أولادي من السفر إلى الخارج، فهم سئموا التفتيش عن عمل في لبنان، وعندما لم يجدوا شيئاً قرروا السفر». وبصوت خافت تتابع: «لم أرد أن أقف عائقاً أمام مستقبلهم، ولم أستطع أن أساعدهم بأي شيء، وخاصة بعد تخرجهم من الجامعة. التحقوا بمجموعة من أصدقائهم في ساحل العاج كي يبنوا مستقبلهم كما كل الشباب. لقد أمضوا فترة طويلة في لبنان يبحثون عن عمل، لكن من دون جدوى، وإذا حصلوا على فرصة عمل، كان الراتب لا يكفي شاباً أعزب لمدة أسبوع، فكيف إذا أراد أن يتزوج ويؤسس عائلة؟».
تأخذ بيطار نفساً عميقاً، تضع يدها على خدها، قبل أن تكمل، متحدثة بصوت خافت: «الحمد لله، إن أولادي في مكان بعيد نسبياً عن المشاكل». وبحسب ما قالته «هناك أكثر من عائلة، جميع أفرادها من الأطفال والنساء، إضافة إلى مجموعة من الشباب يعيشون في منزل واحد، يملكه صاحب العمل، الذي جمع موظفيه في منزل واحد. وبسبب الأحداث، لا يستطيع أحد الخروج منه، إلا أن الاتصالات متوافرة لهم نسبياً، سواء عبر الهاتف أو الإنترنت». وتضيف: «لا يمكن أن أطمئن إلا عندما يصبح أولادي في بلدهم». تمضي بيطار وقتها بالصلاة والتأمل كي يساعد الله أولادها وكل اللبنانيين هناك على الخروج من المحنة والعودة سالمين إلى ديارهم».