المنطقة بعد سبت أسود ظلّلته الإطارات المشتعلة تبدو رمادية. حتى الشمس عجزت عن التسلّل إليها من جرّاء بقايا الدخان. نزل الشباب إلى دراجاتهم النارية باكراً. كان بعضهم ينظر يميناً وشمالاً بحثاً عن خطر يتربص بهم، إضافة إلى الإطارات، قطع الشباب الطرقات من خلال مستوعبات النفايات. في اليوم التالي، ظلّت هذه المستوعبات عالقة في الوسط، تقسم الطريق، وقد أفرغت بعض حمولتها عليه.
هرعت النساء أول من أمس إلى تأمين حاجياتهن الأساسية، لسان حالهنّ يقول «الله يستر». يستعددن لهذا المستور المتوقع. نصح أصحاب المحال المغلقة زملاءهم بحذو حذوهم قبل أن يجبرهم الشباب على ذلك. وهذا ما حدث فعلاً. حتى الأهالي يصفونهم بـ«الزعران». وقد دفع كمّ «الغضب» شباب المنطقة إلى الاشتباك مع بعضهم البعض. حصل الاشتباك الأول على الطريق المؤدية إلى «أبو شاكر»، من دون أن تُعرَف الأسباب، لكن حالما رأى المتخاصمون «كلاشن» فارغاً، سارعوا إلى الهرب. أما الثاني، فكان من نصيب منطقة كورنيش المزرعة، حيث اختلف الشباب على قطع الطريق.
لم يختلف الشعور خلال السنوات الأخيرة. يتفاقم احساس أبناء الطائفة السنّية بالغبن والاستهداف. مع ذلك، يمكن تقسيم أهالي المنطقة إلى ثلاث فئات. رجال ونساء ناضجون يرون أن الاغتيال جريمة تستهدف الوطن، وشباب يرون أن الحدث استهداف للسنّة. بعضهم جامعيون لا يتخطى شعورهم بضع كلمات، وآخرون «زعران» استطاعوا التحكم في المنطقة من دون رضى السكان.
زين شاب مسالم. يرفض قطع الطريق والنزول المسلح. يقول إن «الوضع أصعب من عام 2005، تاريخ اغتيال الرئيس الحريري». والسبب هو «البهدلة في جميع أجهزة الدولة، باستثناء فرع المعلومات المحسوب على السنّة، وبالحق». عمر، صاحب الدكان الذي كان يقف إلى جانبه، يلفت إلى أنه أوقف في بئر حسن لعدم وضعه «الكاسك». أجرى اتصالات «لتفعيل الواسطة» حتى يُفرَج عنه، وخصوصاً أنه رأى أمامه شباناً مخالفين يجري الإفراج عنهم، إلى أن قال له أحدهم (من استخبارات الجيش) «لأنك عمر لن يُفرَج عنك». يعلق زين «كل هذا لأجل موستيك». يشعر بأنه «لا سند له»، لكن ما علاقة اغتيال الحسن بالشعور بالظلم؟ «يكفي أنه سنّي، كما أن تصرفاته أضرّت بالفريق الآخر، فهم إن لم يشاركوا في قتله، فرحوا. والدليل توزيع الحلويات في الضاحية الجنوبية». هل من دليل؟ «تبلّغت الأمر من قبل أربعة مصادر موثوق بها». يتفق الشابان على أن «المشكلة تكمن في الاستفزازات المتكررة».
يختلف تقويم الرجل الخمسيني للوضع. لا يرى الاغتيال موجهاً ضد أهل السنة، بل ضد الوطن. يكتفي بهذا التصريح. يختلف الوضع من شارع السبيل إلى أبو سهل، حيث نلتقي أحد «القبضايات». يخفي هذا الشاب غضباً ليس بقليل. هو مقتنع تماماً بأن الاغتيال يستهدف أهل السنّة. فالشهيد سني. هل فقدتم من يحميكم؟ يقول بثقة: «نحمي أنفسنا». يشرح أن
«جميع الضربات تستهدف السنّة». ماذا عن قطع الطرقات؟ يصفه بأنه «ردّ فعل لا أكثر». لكنكم تُغلقون على أنفسكم. يعيد الجواب نفسه.
لدى هذا الشاب ما يقوله. يجد من الضروري توجيه رسالة عبر الاعتراف بأننا «نحركش بهم». من هم؟ «حزب الله وحركة أمل». يعتقد أن هذين الحزبين سلبا أهل السنّة حريتهم. «فالبلد يتضمن سلاحاً خارج شرعية الدولة». سينزل إلى ساحة الشهداء للمشاركة في التشييع، لكن لن يترك جميع الشباب طريق الجديدة. لا بد من بقاء البعض لحمايتها.
ماذا فعل استشهاد الحسن بأهالي طريق الجديدة؟ أخرج كل ما في جعبتهم. يريد «القبضاي» للفتنة أن تكبر. هو مستعد للتضحية بنفسه وأهله في سبيل الحرية. حتى والدته لم تعد تردعه. باتت تقول له «انزل».
في مقابل أبو سهل، لا يزال الجديديون يتهافتون إلى «صفصوف» لشراء الحلويات. يوضح أحدهم: «نريد أن نأكل جيداً قبل النزول إلى ساحة الشهداء». يقولون إنهم ليسوا خائفين، قبل أن يختموا «الله يستر». يتوقعون حدوث شيء ما.
خرج الأهالي قبل التشييع لابتياع حاجياتهم، كأنهم كانوا واثقين بأن الاضطرابات ستبدأ بعد التشييع. يرفضون الاعتراف بأنهم خائفون، لكن القلق باد على وجوههم.
صاحب الدكان يصف تصرفات الشباب بالفورة الناتجة عن «فراغ». لا يرى نفسه مظلوماً كسنّي، قبل أن يوضح أن هناك مؤامرة عالمية ضد السنّة. يفند المشكلة قائلاً إن نبيه بري يحمي طائفته، ووليد جنبلاط يحمي طائفته، لكن من يحمي السنّة؟ هكذا خرج السنّة من معادلة الحماية الطائفية، وباتوا يبحثون عن بديل بعدما خسروا زعماءهم واحداً تلو الآخر. أما الحقد، فهو «نتيجة حقد الطرف الآخر الكامن في عقيدته»، يقول عمر.