يستمر الجدال حول قانون الانتخابات. يوماً بعد آخر، ينجح الفريق المعادي للنسبيّة في تصويرها كأنها مجرد أداةٍ لضربه وإضعافه. طرفا النزاع الرئيسيان، تيّار المستقبل وحزب الله، أكثر من يتعاملان مع هذا الملف بهدوء ظاهري. أمّا في الباطن، فكلّ طرفٍ يُعد العدّة للحصول على مبتغاه. المستقبل أعلن مراراً أنه يرفض النسبيّة رفضاً مطلقاً. يُحضّر كل العدة لعدم خسارة معركة قانون الانتخابات، ويستعد لاستخدام كل الوسائل التي يراها ممكنة، من التحريض على السلاح، ورفض النسبيّة في ظلّه، إلى إعادة وصل ما انقطع من علاقات سياسيّة مع قوى 14 آذار. وقد أتت زيارة الرئيس فؤاد السنيورة للرئيس أمين الجميّل في هذا الإطار. أما بينهما، فيعود المستقبل إلى لعبته القديمة في تقديم المساعدات، بعد انقطاع لفترة تجاوزت السنة، وقد بدأ هذا الأمر بجمع أموال من دولٍ خليجيّة غير السعوديّة، تحت عنوان مساعدة رجال الدين.
حزب الله، بدوره، يعمل بهدوء أيضاً، لكنّه يُدرك أن بقاء القانون على حاله يعني خسارة الأكثريّة مجدداً، أو في أحسن الأحوال البقاء على الوضع الحالي، أي البقاء رهينة لكتلة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط. لكن ذلك لا يدفع الحزب الى التهور. يقول مطلعون على النقاشات السياسيّة إن لدى حزب الله وحلفائه رغبة في التواصل مع حزب الكتائب بهدف صياغة موقف مشترك من قانون الانتخابات. يرى هؤلاء أن هناك ثغرة في علاقة النائب سامي الجميّل مع فريق 14 آذار، يُمكن المرور منها.
إذاً، هو صراع بين حزب الله وتيّار المستقبل على حزب الكتائب، وتحديداً النائب سامي الجميّل، إذ إن النائب نديم الجميّل حسم خياره بعدم التصويت مطلقاً للنسبيّة. لكن هذا الصراع الخفي على الكتائب يفتح الباب أمام النقاش الأساسي الآخر الدائر حول قانون الانتخابات، وهو الموقف المسيحي من هذا القانون.
فأول من أمس، اجتمعت اللجنة الرباعيّة المنبثقة عن لقاء بكركي في مجلس النواب، وعلى جدول أعمالها نقطتان: أولاً، تأكيد ما يؤكّد في كلّ اجتماع، وهو الرفض المطلق لقانون الستين. مصادر المجتمعين تؤكّد أن القوات اللبنانيّة أكّدت عبر ممثلها رفضها المطلق لهذا القانون، وأنها مستعدة لتأييد أي قانون له صيغة وطنيّة ويؤمّن للمسيحيين التمثيل الصحيح. واللافت، بحسب المجتمعين، أن القوات أقرب إلى النسبيّة من حزب الكتائب، إذ ينقل هؤلاء أن النائب سامي الجميّل (الذي لم يشارك في الاجتماع الأخير وحضر بدلاً منه النائب سامر سعادة) يعتقد أن النسبيّة ليست الخيار الأفضل لتمثيل المسيحيين. الآراء في اجتماعات اللجنة تميل إلى تبني الدائرة الصغرى. هنا يأتي دور النقطة الثانية على جدول الأعمال، وهي ما قدّمه الوزير السابق زياد بارود .
فقد طُلب من بارود في اجتماعات سابقة تقديم اقتراحاته حول التعديلات الممكنة لمشروع فؤاد بطرس، فجاء اقتراحه على الشكل الآتي: الحفاظ على عدد النواب المنتخبين بالنسبيّة، أي 51 نائباً، والمنتخبين بالأكثرية أي 77 نائباً. لكن الجديد هو تقسيم الدوائر إلى دوائر صغيرة بحيث لا يكون عدد نواب كل دائرة أكثر من ثلاثة نواب. وقد حاز هذا المشروع استحساناً أولياً، بحيث إن ممثل كلّ فريق سيعرض الفكرة على فريقه السياسي للعودة بالجواب النهائي، في هذا الوقت سيعمل بارود على إجراء التوزيع الطائفي بين النسبي والأكثري والدوائر.
ماذا عن موقف البطريرك بشارة الراعي؟ ينقل مقربون منه أنه لن يُصدر أي موقف في المرحلة الحاليّة سوى رفض قانون الستين. لن يتبنى الرجل أي موقف حتى يتفق زعماء الموارنة عليه بالحد الأدنى. رغم ذلك، يقول بعض من يدور في فلك فريق الثامن من آذار، إن البطريرك يتبنى النسبية قلباً وقالباً. وفي المقابل، ينفي مقربون من 14 آذار ذلك، مشيرين إلى أن البطريرك يميل إلى الدوائر الصغيرة. بين الموقفين خرج الراعي قبل أيامٍ ليقول إنه لا يعرف ماهيّة النسبيّة بالضبط.
لكن هذا يُشير إلى حجم الضغوط التي تُمارس على البطريرك لدفعه إلى تبني النسبيّة، في مقابل ضغوط معاكسة. فريق الثامن من آذار يرى أن مطالبة الراعي بالنسبيّة ستحرج مسيحيي 14 آذار، وتجبرهم إما على الموافقة على قانون انتخاب نتيجته ستكون ليست في مصلحتهم أو رفض مطالب البطريرك فتميل الدفة لمصلحة العونيين. في المقابل يُراهن القواتيّون على أن بقاء موقف الراعي كما هو، أي الالتزام برفض قانون الستين من دون المطالبة بأي قانون، يجعلهم في موقعٍ آمن.
هنا، يقول مسيحيّو الثامن من آذار إن هروب المستقبل وحلفائه من النسبيّة دليل «على أن ما كنّا نقوله دوماً من أننا نملك الأكثريّة الشعبيّة كلام صحيح»، كما أن النسبيّة لا تُحجّم أحداً، بل تُعطي كل طرفٍ حجمه الطبيعي، لذلك فإن من يرفضها يملك تمثيلاً أكبر من حجمه.