على مدى الأسبوعين الماضي والجاري، شهد لبنان ويشهد زيارات أميركية وبريطانية غامضة، تخفي في ثناياها أهدافاً غير معلنة. البداية كانت مع قائد القوات البرية الأميركية في الشرق الأوسط فنسنت بروكس، الذي جال على الخط الأزرق، وغادر لبنان تاركاً سؤالاً لا يزال يتفاعل في الكواليس السياسية اللبنانية عن الأهداف الحقيقية لزيارته. كذلك وصل إلى بيروت بين 19 الشهر الجاري و21 منه وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليستر بيرت، في زيارة حددت لنفسها أهدافاً معلنة ليست، في الواقع، سوى ستار لإخفاء أهدافها الحقيقية.
وبعده، تصل اليوم إلى بيروت المساعدة الأولى لنائب وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى اليزابيت ديبل، في زيارة ظل موعدها حتى هده اللحظة بعيداً عن الإعلام. واللافت أن زيارة ديبل تتزامن مع زيارة تقوم بها للبنان، في الوقت نفسه، رئيسة قسم الشرق الأوسط في وكالة التنمية الأميركية مارا رودمن. وتشير معلومات إلى أن لزيارتي ديبل ورودمن المتزامنتين صلة بتحضيرات تجريها دول من مجموعة أصدقاء سوريا لإنشاء مخيمين للنازحين السوريين في لبنان، الأول في البقاع والثاني في الشمال. وتلفت المعلومات إلى أن النروج، التي تقوم بدور نشط فوق الأراضي اللبنانية في ملف النازحين السوريين، زادت أخيراً من عدد جمعياتها المدنية العاملة في هذا المجال بمعدل ثلاث جمعيات جديدة، استوعبت ما بين سبعين وتسعين موظّفاً لبنانياً.
وبالعودة إلى مجمل الزيارات الأميركية والبريطانية، فإن اللافت أن ما يجمع بينها، كلها، هو أن أهدافها الحقيقية هي غير تلك المعلنة عنها. ولعل زيارة بيرت تعطي نموذجاً نافراً عن هذا المعنى.
فقد استمرت زيارة الوزير البريطاني للبنان يومين. وأعلن بيان لسفارة بلاده في بيروت، أن من أهداف الزيارة «دعوة الشعب اللبناني للمشاركة في أضخم عرض على الإطلاق: ألعاب لندن الأولمبية 2012»(!). وعدّد البيان أسباباً أخرى، منها «تأكيد التزام المملكة المتحدة القوي بلبنان مستقل وآمن، والتطبيق الكامل للقرار 1701، وبحث كيفية وضع حد للعنف المريع في سوريا، والحاجة الملحة إلى التقدم نحو حل (للقضية الفلسطينية) يقضي بإنشاء دولتين».
والواقع أن كل هذه المبررات لا تقنع المراقب بأنها تستحق قيام بيرت بالزيارة، إذ كان يمكن لندن أن تكتفي بالتعبير عن حرصها على أمن لبنان ووحدته، في بيان يتلوه من لندن الناطق باسم خارجيتها. أما في ما يتعلق بـ«بحث وقف العنف في سوريا»، فإن موقف لبنان الذي يلتزم سياسة «النأي بالنفس» حيال الموضوع السوري، لا يترك مجالاً للندن كي تستعجل مجيء وزيرها لبيروت لبحث هذا الأمر. وفي ما يخصّ «حلّ الدولتين»، فالواقع السياسي برمته يشير الى أن هذا الموضوع ليس مطروحاً، أصلاً، في المرحلة الراهنة أو حتى المنظورة، وذلك نتيجة الشلل الذي يكتنف المسار التفاوضي الإسرائيلي الفلسطيني، وأيضاً نتيجة انشغال واشنطن بانتخاباتها الرئاسية. وبكلام إجمالي، فإن المبررات التي ساقتها السفارة البريطانية للزيارة لا تنسجم مع وقائع إمكانات لبنان السياسية ولا مع الظروف الدولية الراهنة.
إذاً، ما جاء يفعل بيرت؟
الإجابة الصحيحة تلخصها نحو خمس كلمات في بيان السفارة، وردت في السطر الأخير من الفقرة التي تتحدث عن الأسباب السياسية للزيارة، ومفادها حرفياً: «... وستتطرق محادثاتنا الى أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان».
يقول مصدر مطلع إن بيت القصيد لزيارة بيرت يقع في هذه العبارة، وإن «أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان» كانت، هي نفسها، سبب زيارة سرية قام بها بيرت نفسه للبنان، مطلع السنة الجارية. سلّم خلالها الوزير البريطاني رسالة خاصة من أعلى مستوى سياسي في لندن الى رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، ورافقه خلال تسليمه للرسالة آنذاك، كل من سفير بريطانيا في لبنان، والملحق العسكري فيها ذو الدور النشط، وآخرون بريطانيون لم تعرف أسماؤهم.
وبحسب مصادر موثوق بها، جاء في الرسالة التي أرادت لها لندن أن تظل طي الكتمان عن باقي مسؤولي الدولة في لبنان، عدا الرئيس ميقاتي، أن السياسة الخارجية البريطانية تريد أن تعمل على ثلاثة مواضيع تتعلق بالفلسطينيين في لبنان، هي:
أولاً، تمكين اللجان الشعبية من القيام بدور تحسين الإدارة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان،
ثانياً، إنشاء جهاز شرطة مدنية فلسطينية في المخيمات للحفاظ على الأمن والاستقرار فيها. (تجدر الإشارة إلى أن الدعوة الى إنشاء هذه الأجهزة تحت عنوان «الشرطة المجتمعية» في المخيمات، طرحت في تلك الفترة للتداول على المستويين اللبناني والفلسطيني الضيق).
ثالثاً، العمل على تحضير الأجواء للوضع النهائي للاجئين الفلسطينيين.
وقد حاول الوفد، آنذاك، إقناع ميقاتي بأن يعين شخصاً من مكتبه الخاص، ليكون منسق الصلة غير المعلنة، بينه وبين لندن، من أجل تنفيذ هذه النقاط الثلاث في مدى زمني قريب ومتوسط. واقترح أن يكون هذا الشخص من ذوي صلة القرابة برئيس الحكومة. كذلك أبدى استعداد بريطانيا للتدخل على نحو غير معلن، مع أية جهة أو مؤسسة في الدولة اللبنانية، لثنيها عن الاستمرار في إثارة أي اعتراض تبديه في وجه تنفيذ الإجراءات الحكومية وغير الحكومية الهادفة الى بلوغ غايات النقاط الثلاث.
وتعتقد هذه المصادر أن البريطانيين قدموا رسالتهم لميقاتي، ظناً منهم أنه سيكون محرجاً في رفضها، نظراً الى توقّعهم أن يردّ رئيس الحكومة للندن الجميل لتدخلها، بقوة، من أجل إقناع دول القرار في الغرب بقبول الإخراج الذي صاغه ميقاتي لتمويل المحكمة الدولية، وذلك من خارج موازنة الدولة اللبنانية.
وتراهن لندن على أن خطتها ستحدث تغييراً جوهرياً اجتماعياً وسياسياً وقانونياً لماهية الوجود الفلسطيني في لبنان، وستخلق بيئة جديدة من التشريعات الحكومية اللبنانية بخصوص اللاجئين الفلسطينيين، تخدم تصور الغرب للحل النهائي لقضيتهم، على نحو يلغي فعالية حق العودة.
وتوضح المصادر وجهة نظر لندن في شأن تنفيذ النقاط الثلاث، فتقول «إن بريطانيا، بالاشتراك مع الولايات المتحدة، تريد وضع الملف الفلسطيني في لبنان في إطار نقاش دولي مجدٍ مع الدولة اللبنانية، ومع رئيس الحكومة حصراً، لضمان بقاء هذا الملف بعيداً عن السجال السياسي اللبناني الداخلي، وعن كل التطورات الأخرى في المنطقة». وقد اقترح الوفد البريطاني «أن يتجاوز ميقاتي لجنة الحوار الوطني اللبناني مع الفلسطينيين، ويحصر الحوار الجدي، في هذا الملف، به وحده. ومن هنا جاء اقتراح لندن بأن يعين شخصاً مقرباً منه ليكون ضابط تنسيق بينه وبين لندن خلال السير بتنفيذ النقاط الثلاث».
وتتابع المصادر أنه في ما يتعلق بالنقطة الأولى من الرسالة، ترى لندن أن على الدولة اللبنانية أن تتعامل بإيجابية مع مشروع تشكيل قوة أمنية موحدة في المخيمات، قوامها عنصر أمني لكل مئة لاجئ فلسطيني في كل مخيم، على أن تكون هذه القوة بمثابة شرطة فلسطينية، تحتكر حمل السلاح في المخيمات، علماً بأن هذا المشروع بُحث داخل المخيمات، وقد حث الوفد ميقاتي على تأييده وتفعيله، لافتاً إلى أنه يمكن اعتماد نموذج يحاكي النموذج الإيرلندي الشمالي في ما يتعلق بتخزين السلاح الفلسطيني الموجود في مخيمات لبنان.
أما «بخصوص النقطة الثانية المتمثلة بتشكيل لجان شعبية في المخيمات، فتقوم الرؤية البريطانية على أن يكون لهذه اللجان شكل بلديات تشجّع المجتمع المدني الفلسطيني عبر مبادرات مدنية واقتصادية مختلفة»،
وعن النقطة الثالثة التي تأتي تحت عنوان خطر، أي الوضع النهائي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، تريد بريطانيا، بحسب المصادر عينها، أن «تسهم الدولة اللبنانية في الحل النهائي عبر مباشرة ورشة تشريعات متدرجة تؤدي في النهاية الى جعل لبنان يستوعب اللاجئين الفلسطينيين فيه، ما يساعد على سحب جزء من موجبات حق العودة عن طاولة التفاوض على الوضع النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين».
وتختم المصادر بالقول إن لندن، على ما يبدو، لم تيأس بعد من إمرار فكرتها ذات البنود الثلاثة. وزيارة بيرت الأسبوع الماضي للبنان خير دليل على ذلك.
12 تعليق
التعليقات
-
عن التوطينالتوطين أصبح واقعاً وما يعيقه هو ظروف بلدان اللجوء، وأغلبية فلسطينيي الخارج لا يرفضونه إذا كان بظروف مناسبة لهم... وإذا كان فيه رزقة على حد تعبير أحد الصحفيين الفلسطينيين الذي ينشر في جريدة تصدر من لندن ويقيم في سوريا... أما أبناءه وبناته وزوجته فهم يصارعون بلاكلل منذ سنوات للحصول على الغرين كارد
-
فلسطيني مع العودة99% من شعب الفلسطيني يرفض التوطين في اي بلد وحتى لو حصلنا على جنسيات اخرى فحلم العودة الى وطننا باقي الى الابد. ما نريده من حكومات لبنان الطائفية بان تعاملنا معاملة الاجئ حسب قوانين الامم المتحدة او حسب قوانينها ودستورها مثلما تعامل اي اجنبي على اراضيها. اليهودي الذي يملك جواز سفر اجنبي يحق له امتلاك شقة في لبنان اما الفلسطيني الذي خلق بلبنان وعاش 60 سنة لا يحق له. نحنا نرفض التوطين ولا نريد سوى معاملة انسانية مثلنا مثل اي اجنبي على اراضيكم ونقطة على السطر.
-
ليكن إعطاء الحقوق الإنسانيةليكن إعطاء الحقوق الإنسانية للفلسطينين ,فهم بشر مثلنا وحق علينا أن نكون حكاما عدول ,وعلى كل حال ليسوا هم من سيسترجع الأرض يوما ما ,فلما نحاول إقحامهم في شيء لا يستطيعونه,والواقع أن دورنا معهم لا يقل سوءا عن دور إسرائيل ,فهي منعتهم أرضهم ونحن نمنعهم إنسانيتهم وكلها حقوق.
-
هذا أمر خطير: قانونيا هلهذا أمر خطير: قانونيا هل يحاسب ميقاتي للتآمر على مصلحة لبنان؟
-
انا كفلسطيني بتمنى اني اعيشانا كفلسطيني بتمنى اني اعيش بدارفور او افغانستان على اني ابقى بلبنان. انشاءالله بحياتو ما بسير في توطين وما بيقبض لبنان ليرة من وراء معاناتنا وظلمنا. يعني ظاقت الدنيا ببريطانيا بدن يوطنونا بلبنان؟ لبنان لو فيه خير ما كان في 16 مليون لبناني بالبرازيل. ولو فيه خير ما كان سمير جعجع بيحكم فيه. عشرات السنين من الظلم والقرف وآخر شي بدكن تقبضو على ضهورنا. طول عمركن محملينا جميلة مش عارف على شو؟ لا بتطعمونا ولا بتشربونا ولا بتحكمونا ولا بتعلمونا .... حتى اراضي المخيمات مستأجرة استئجار! اسمعي يا بريطانيا وامريكا ولبنان اذا في حدا بسمع، ما بدي اعيش بلبنان
-
التوطين ليس فزاعة في يوماً ما قال قائل الرئيس اميل لحود فقد شرعيته,واليوم يقال الاسد فقد شرعيته,اين هي الشرعية اذن في اسقاط حق العودة,وماذا عن جهابذة 14 الشهر الذين قالوا ان التوطين فزاعة,الان فقد عرفت احد الاسباب بالاصرار على أسقاط حكومة ميقاتي ولماذا هذاالهجوم على سوريا فالكل ينتظر التوطين واعلان الدولة اليهودية,ولكن المشاريع المشبوهة لا تقف عند حدود فلسطين,فأسرائيل حدودها من النيل الى الفرات,ولكن اولا فلسطين الحلقةالاولى ومن ثم انتظار الظروف لتكملةالمشروع الصهيوني بعد تفكيك المنطقة الى دويلات عرقية وطائفيه لاضعافها والاستفراد بها كل على حدا. وليس هذا الشتاء العربي الا احدها.
-
خطة بريطانية لتوطـين الفلسطينيينحتى إذا كانت هناك تشريعات جديدة من أجل توطين الفلسطيننيين في لبنان ، ماذا عن الفلسطينيين الباقين ، كل باقي الفلسطينيين ؟ ثم هل يقبل رئيس وزراء لبنان بذلك الطرح ؟ وإن قبل هل تبقى ترافقه صفات العروبة والوطنية والمصداقية والمدافع عن الحق والحقوق والشهامة و المسلم بتعريف المعنى الصحيح للكلمة أي المسلم نفسه للله و...و...و...، أم تلصق فيه التهمة التي ترافق كل رجل أعمال يهتم في السياسة ألا وهي الإنتهازية؟ الطرح مرفوض والمطلوب الكف عن الإملاءت من أجل اراحة الكيان الصهيوني البغيض !
-
كمل النقل بالزعروربعد ما قرأت. اقول:" اولاً (ضيعان الشهدا)ثانياً ان كان صحيحاً التكهن الذي ورد في المقال يكون الشعب اللبناني والشعب الفلسطيني غير جديرين بالحياة. ( لازم نروح نطم حالنا). الشعب الارمني لم يذب في أي شعب آخر، ولن ينس ارمينيا يوماً وكل الظلم الذي لحق بشعبهم.بأية جرأة تطالعنا عن المحادثات الجانبية والخبيثة بحق اللبنانيين والفلسطنيين على السواء؟ وان كان صحيحاً فبئس روأساء الحكام في لبنان. انتبهو يا ناس الى ما نحن قادمون عليه. روز زياده
-
انا مع التوطينيعني يا استاذ ناصر , القصة لا بدها خطة و لا من يخططون ! ما الجماعة صرلهم 60 سنة قاعدين في لبنان , يعني فعليا التوطين حاصل على الارض , ناقص فقط تخريجة قانونية لاعطائهم الحقوق السياسية و المدنية . هل احد مصدق ان هناك امل في عودتهم الى حيفا و يافا و الرملة !