غفت عاصمة الشمال فوق فوهة بركان. بلغ الاحتقان والتحريض أوجهما. فاستُحضرت الفتنة المذهبية بقوة، بعدما تسابقت للنفخ في نارها شاشتان إعلاميتان. هكذا بدا المشهد للوهلة الأولى. جمرٌ تحت الرماد أو خشبٌ في قلب الهشيم. وفي داخل المدينة، كانت قصة أُخرى. شُحذت الهمم والأسلحة لـ«قتال الخوارج».
وهؤلاء، في عُرف بعض الإلغائيين، هم أنصار النظام السوري وحزب الله. وُضع القوميون وحركة التوحيد الإسلامي بمختلف رموزها، وجماعة الشيخ عبد الكريم النشّار، الذين كانوا، ولا يزالون، في دائرة الاستهداف. التحريض للانقضاض عليهم كان جارياً على قدمٍ وساق. لم يأبه المحرّضون للدم المسلم البريء الذي سُفك. لم يفطنوا للمخطط الفتنوي الذي يُحاك، بل انخرطوا فيه مستسلمين للغرائز. يريدون تجسيد غريمهم، ظُلماً، في هيئة هؤلاء.
عزّز هذه النقمة قيام قوة من فرع المعلومات في الشمال بدهم منزل الشيخ أحمد الغريب (٤٠ عاماً) في منطقة المنية وتوقيفه. وذكرت المعلومات الأمنية أنه ضُبطت في منزل الشيخ الموقوف خرائط عسكرية لمدينة طرابلس وكمية من المتفجرات، مشيرة إلى أنّ توقيفه جاء على خلفية التفجيرين اللذين شهدتهما مدينة طرابلس أمس. وعلمت «الأخبار» أنّ الشيخ الغريب اقتيد إلى مركز فرع المعلومات في بيروت ليلاً بدلاً من إبقائه في مركز طرابلس. في مقابل ذلك، علمت «الأخبار» أنّ الشيخ الغريب كان يقصد سوريا كثيراً في الآونة الأخيرة، علماً بأنّه مُكلّف من قبل رئيس مجلس قيادة «حركة التوحيد الإسلامي» الشيخ هاشم منقارة بمتابعة أحد الملفات العالقة مع النظام السوري. إزاء ذلك، استنكرت أوساط التوحيد توقيف الغريب، مبدية تخوّفها من تلفيق التُّهم وفبركة ملف أمني ضده لغايات مشبوهة. وحول السلاح الذي ضُبط، أكّدت مصادر مقرّبة من الموقوف أنّها لا تتعدى السلاح الفردي الموجود في أي منزل في الشمال، إضافة إلى «قنبلتين يدويتين تحوّلتا بنظر المغرضين إلى كمية من المتفجرات». وإذ وضعت المصادر نفسها توقيف الشيخ في خانة الافتراء، كشفت عن «حملة تحريض شُنّت ضده في الآونة الأخيرة روّجت زوراً أنّه عميل للنظام السوري». والغريب يتولى إدارة العلاقات العامة والسياسية لدى الشيخ منقارة منذ أكثر من ١٢ عاماً.
في موازاة ذلك، جرى تناقل معلومات تُفيد عن قيام مجهولين بالاعتداء على عدد من أهالي بلدة حبشيت. وقد تردد أنّه جرى تكسير عدد من سياراتهم، علماً بأن حبشيت هي البلدة الشيعية الوحيدة في عكّار. كما يُشار إلى أنّه فور وقوع الانفجار، انتشر المسلّحون في أزقة طرابلس وشوارعها. وتزامن ذلك مع حملة على صفحات التواصل الاجتماعي والواتس آب ودعوات تطالب بطرد من سموهم «عملاء النظام السوري من المدينة». أعقبها قيام مجموعة مسلّحة بإطلاق النار من أسلحة رشّاشة على شبّان من عائلة النشّار المقرّبة من حزب الله، فوقع اشتباك مسلّح استُخدمت فيه أسلحة رشّاشة وقنابل يدوية. إثر ذلك، أقام مسلّحون مجهولون حواجز للتدقيق في هويات المارّة في محلة أبي سمراء.