عاش أهالي زغرتا – أهدن أمس حالة من الذهول والحزن على وضع طرابلس المجروحة بدماء المصلّين. تسأل الشيخ والشاب والسيدة والفتاة عن الانفجار في طرابلس فيأتي الجواب واحداً: «لا يمكن ان يكون فاعله مؤمناً! فالمؤمن لا يقتل مصلين. ولا دين يجيز قتل المصلين. يا حرام يا طرابلس». يوحّدهم حزن عميق على مشهد المدينة وأهلها. وحتى على الصعيد الرسمي طالت مأساة طرابلس «اهدنيات»، فتأجلت حفلة كاظم الساهر حتى يوم الأحد «إذا كانت الاوضاع تسمح بذلك».
تجلس ربى وجنان أمام الواجهة الزجاجية لمطعم في أعالي جبل سيدة الحصن، فلا تغيب طرابلس وجزرها عن مشهده يوماً. تنظران الى الدخان المتصاعد. تقول ربى «بعد سنة من الرعب الذي عاشته المدينة بفعل أحداث باب التبانة وجبل محسن، لم يكن ينقصهم إلا هذا بعد؟ الله يعينهم!». بدورها، تقول جنان إنها تعمل منذ أشهر على نقل ملف عملها في شركة الهندسة من بيروت الى طرابلس، «لأنني أعتبرها مدينتي فقد درست وعملت فيها وأصدقائي منها». تعود أنظار الشابتين الى الدخان، لعله ينطفئ، ثم تفتح ربى الهاتف وتكلّم أحدهم للاطمئنان إلى سلامة اهله قائلة «هل أصيب منزلكم؟ متى شئتم بيتنا في زغرتا لكم».
بوليت كانت جالسة على شرفة منزلها في إهدن، وقد كست ملامحها الكآبة. تتصل بالاصدقاء لتطمئن إليهم وتعرف أن بيت صديقتها تصدّعت جدرانه وتطاير زجاجه. تدمع عيناها وهي تحكي عن هدر حياة كل هؤلاء الأبرياء، «ونفس الاشخاص يدفعون ثمن الحروب. أنا أقف شاهدة على حقبة تدخل فيها اليد الغريبة لتخنق البريء وترمي بفتيل الصراع في المدينة».
حول طاولة مستديرة تجلس خمس نساء في الستينيات من العمر. قمرية تؤكد أن «طرابلس لم تكن تعرف الطائفية، كنا نعيش معاً حتى وصل أصحاب العمامات الفضفاضة». حفيظة تزيد عليها «من لا يعرف اهالي طرابلس يجهلهم. هم الطيبة بحد ذاتها، ولا يستاهلون هذه المصائب كلها». حزن كبير يلف السيدات، يتفقن على ان «الاسياد والزعماء يجلسون على كراسيهم محميين، ودوماً يموت البريء. هل هذه الحرب القادمة؟».
الخوف من الحرب الاهلية يعود في كلام الكاتب جبور الدويهي الذي كان في مكان الانفجار قبل نصف ساعة من وقوعه. يقول إن هناك حرب اهلية تفرض علينا فرضاً.
تجلس ريما أمام التلفزيون، وتنظر الى صور القتلى والجرحى وتبكي بحسرة، «يا حرام، يا حرام، إن لم يعد هناك من سلام في الصلاة فمن اين سيأتي السلام؟ اصحاب كثر يصلّون في هذا الجامع، زوجي طبيب في مستشفى الملا حيث وصلت الجثث والجرحى، يقول ان رائحة الدم ملأت رئتيه، وفي عينيه نظرة حزن تدمي القلوب». تنظر ريما الى الصور وترفع وجهها الحزين لتقول: «اليوم صورهم وغداً صورنا».