للضاحية الجنوبية خصوصية غير معهودة في نشوء المناطق. هي «الحزام» الذي يلف جنوب مدينة بيروت من مستديرة الطيونة ذهاباً في اتجاهين: عبر طريق صيدا القديمة نحو الشويفات شرقاً، والأوزاعي غرباً. أطلقت على هذه المنطقة أوصاف وتسميات عدة مثل «العشوائيات» و«حزام البؤس»... استقرّ الجميع على أنها منطقة استقطبت النزوح السكاني من القرى والبلدات الجنوبية والبقاعية والبيروتية أيضاً، بعيداً عن أي توصيف آخر يتعلق بدرجة فقر الناس أو ثرائهم.
وبحسب مسح إدارة الإحصاء المركزي عام 2007، فإن 50.3% من سكان الضاحية الجنوبية هم من الجنوب والنبطية، و24.3% من البقاع، و9.7% من بيروت، و15% من جبل لبنان و0.8% من الشمال و0.1% من حملة جنسية قيد الدرس. لعلّ هناك بعض التطورات الأمنية والاجتماعية التي أحدثت تغييراً بسيطاً في هذه الإحصاءات خلال السنوات القليلة الماضية، لكن أثرها لم يكن كبيراً نظراً إلى تكوين النسيج الاجتماعي ـــ الاقتصادي في الضاحية الجنوبية، حيث تصنّف بأنها مسكن للطبقة «الوسطى ـــ الدنيا» أو الطبقة «الدنيا ـــ العليا» كما يؤكد رئيس المركز الاستشاري للتوثيق والدراسات عبد الحليم فضل الله.
وبحسب معطيات الإحصاء المركزي، فإن معدلات البطالة بين الشباب في الضاحية الجنوبية مرتفعة جدّاً كباقي مناطق لبنان (34% على المستوى الوطني بحسب البنك الدولي). وتبلغ نسبة الناشطين اقتصادياً نحو 44% يتوزّعون على مستويات تعليم مختلفة على النحو الآتي: 2.1% أميّون، 30.4% حصّلوا تعليمهم الابتدائي، 29.5% حصّلوا تعليمهم المتوسط، 13% حصّلوا تعليمهم الثانوي، و16.5% حصّلوا تعليمهم الجامعي.
ولا شكّ بأن السنوات الخمس الأخيرة، بظروفها وأحداثها وتطوّراتها، أحدثت تغييرات في بنية هذه الإحصاءات، لكن تقديرات بعض مراكز الأبحاث أو المؤسسات الخاصة تشير إلى أن بعض التغييرات هي عامة في لبنان. ففي عام 2007 كان الحد الأدنى للأجور يبلغ 300 ألف ليرة، وارتفع إلى 500 ألف عام 2008، ثم بلغ اليوم 675 ألف ليرة. وفي تلك الفترة، أي في وقت إجراء الإحصاء، كان الدخل الشهري للأسرة الواحدة في الضاحية الجنوبية، وفق الإحصاء المركزي، يبلغ 813.2 ألف ليرة، وإذا احتسبنا نسبة الزيادة اللاحقة بالأجر الوسطي في لبنان (الزيادة على الأجر الوسطي هي أقل من الزيادة على الحدّ الأدنى للأجور) خلال السنوات الخمس الأخيرة، فإن دخل الأسرة في الضاحية يرتفع إلى 1.4 مليون ليرة شهرياً. وهذا يعني أن القدرة الاستهلاكية لقاطني الضاحية الجنوبية تتجاوز 690 مليون دولار شهرياً لأن عدد سكان الضاحية يصل إلى 750 ألف نسمة وفق معطيات جهات ذات صدقية.
تحتضن الضاحية الجنوبية نحو 170 ألف أسرة بمعدل 4.5 أشخاص للأسرة الواحدة. أما من جهة المؤسسات، فهناك أكثر من 37 ألف مؤسسة اقتصادية في هذه المنطقة التي ترفد العاصمة وباقي المناطق المحيطة بالعمالة الماهرة. المطاعم والمقاهي والسناك تمثّل جزءاً أساسياً من هذه المؤسسات بنسبة تشغيل تبلغ 60%، على ما يقول رئيس نقابة المطاعم في بيروت وجبل لبنان الجنوبي ابراهيم الزايدة. ويشير إلى وجود أكثر من 30 مطعماً كبيراً ونحو 200 مطعم مصنّفة وسط وصغير (سناك). ويلفت إلى أن طفرة هذه الأعداد تمثّل حاجة سكان المنطقة وتلبي أيضاً حاجات الزبائن من خارج هذه المناطق، سواء من بيروت أو من المناطق المحاذية للضاحية.
كل هذه الأسر والمؤسسات تمثّل «طاقة استهلاك بنسبة 30% من الطاقة الاستهلاكية الإجمالية في لبنان» يقول رئيس جمعية الصناعيين السابق جاك صراف، الذي لديه قلق واضح من «الزعزعة الداخلية. في لبنان، هناك أمور تخطيناها على صعيد الأوضاع اليومية التي كنّا نشهدها، لكن تأثير التفجيرات يمكن أن يمتد إلى تصدّع البنية الداخلية للنسيج اللبناني، وهو أمر مدمّر لأن مؤسساتنا موجودة في كل لبنان، كذلك زبائننا أيضاً. الضاحية هي القوة الاستهلاكية الأولى والأكبر في لبنان».
هناك الكثير من الدلائل على الطاقة الاقتصادية ـــ الاجتماعية التي تتميّز بها الضاحية. فبحسب بعض المصرفيين، ازداد عدد الفروع المصرفية من 64 فرعاً عام 2009 إلى أكثر من 100 فرع مصرفي. هناك نحو 8 مستشفيات كبيرة تحيط بحدود الضاحية الجنوبية، باستثناء مستشفى البرج في داخل الضاحية وهي: الرسول الأعظم، الساحل، بهمن، الزهراء، الحياة، سانت تيريز، سان جورج. إلى جانب هذه المستشفيات، هناك عشرات المستوصفات والمراكز الطبية. قانون ترخيص الصيدليات يمنح رخصة كل 300 متر، والضاحية في هذا المجال «مفوّلة» حيث لا مجال لمنح أي رخصة جديدة. مصانع الضاحية تموت على البطيء، كما كل مصانع لبنان. كانت هذه الضاحية تحتضن مئات مصانع الأحذية التي أقفلت منذ أكثر من 10 سنوات وهاجر بعضها.
لا يمكن ذكر كل أنواع المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية في الضاحية، لكن هذه المنطقة شهدت نهضات عديدة بعد عام 2006 حوّلتها في الاتجاهين عمودياً وأفقياً؛ أفقياً أصبحت أكثر اكتظاظاً بسبب النازحين الجدد، وعمودياً في اتجاه تكريس وجود الطبقة الوسطى.
أكثر ما يخاف منه صرّاف هو أن تصبح المشاريع الدولية ومصالح الأطراف المتنازعة «في حاجة إلى إثبات وجودها في المناطق. هذا الأمر سيؤثّر على مؤسساتنا وعلى القدرة الشرائية للمستهلكين ويهزّ الأوضاع. أقصى ما يمكن أن نطالب به اليوم هو أن الوقت آن للحوار بين الجميع».