مساء الخميس الفائت، إلى آخر نقطة من الأراضي اللبنانية على نهر الوزاني، وصل نبأ انفجار الضاحية الجنوبية ببطء. الهواتف الخلوية ترن بصعوبة بسبب الإرسال الضعيف وانشغال الناس بالاستمتاع بالسلام والهدوء والأمان في المتنزهات المترامية على بعد أمتار من مواقع العدو الإسرائيلي، الذي وفرته المقاومة منذ عام 2000، ثم عززته قبل سبع سنوات تماماً بعد عدوان تموز، لكنّ الموت استطاع اختراق الوادي ومتنزهاته. وسرعان ما خرّب أجواء الفرح بين الرواد الذين جاء كثيرون منهم من بيروت والضاحية الجنوبية حيث يقيمون. جمع هؤلاء أغراضهم وزحفوا نحو الضاحية لتفقد أقربائهم وأملاكهم.
قبل سبع سنوات، كان الجنوب يشيّع الشهداء الذين سقطوا في عدوان تموز بعد يومين من وقف إطلاق النار. أمس، فتح ثراه مجدداً ليضم شهداء جدداً. الغسانية (قضاء الزهراني) التي دفنت حينها سبعة من أبنائها سقطوا في المجزرة التي نفذتها الطائرات الإسرائيلية في البلدة، دفنت عصر أمس ابنها داوود حدرج (48 عاماً) إحدى ضحايا انفجار الضاحية. الأب لستة أبناء والمقيم في الرويس حيث يعمل في شركة لتوزيع المياه، كان يمر في المكان عندما انفجرت السيارة. في الوقت ذاته، كانت كفررمان (قضاء النبطية) التي شيعت عفيف مرتضى أخيراً بعد استشهاده في معركة حمص، تشيع المقاوم عفيف ضاهر (50 عاماً) عضو منظمة البلدة في الحزب الشيوعي اللبناني ونقابة العمال والمستخدمين في لبنان. عناصر الحزب وأمينه العام خالد حدادة ورئيس هيئة التنسيق النقابية حنا غريب والنائب عبد اللطيف الزين تقدموا موكب تشييع جثمان ضاهر، الذي لُف بعلم الحزب. الرجل الذي أفنى عقوده في جبهة المقاومة الوطنية في مسقط رأسه، بدءاً من الاجتياح الإسرائيلي حتى عدوان تموز، لم يخطر بباله أن يسقط في قلب الضاحية لا في إطار حرب اسرائيلية. «الآدمي» كما كان يوصف بين رفاقه، كان يمر بالصدفة لحظة الانفجار في طريقه إلى عيادة طبيب قلب تتعالج عنده زوجته فاطمة بصار. ضاهر توفي ليلاً متأثراً بجراحه، فيما خرجت زوجته التي فقدت عدداً من أصابع يديها، من المستشفى أمس لتشارك في تشييعه. ابنه الأصغر (12 عاماً) لم يستوعب مقتل والده بهذه الطريقة. انسل من بين أقربائه ليل أول من أمس وحمل سكيناً محاولاً قتل نفسه.
جويا (قضاء صور) تشيع عصر اليوم أربعة شهداء، حسن رمضان وزوجته ندى شهاب (38 عاماً) وطفلتيه كوثر وفاطمة، الذين سقطوا لدى مرورهم بسيارتهم لحظة الانفجار. بصعوبة جرى التعرف على الأب وطفلتيه، فيما جثة الزوجة لم يجر التعرف إليها حتى ليل امس بسبب تفحمها. أما الطيبة (قضاء مرجعيون)، فتنتظر التأكد من جثة ابنها عصام نحلة المتفحمة، التي عثر عليها مساء أمس.