مع إعلان حكومة العدو أنها في صدد إنهاء عمليّتها البرية في رفح، تمهيداً للانتقال إلى المرحلة التالية من حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الماضي، تكثّف النشاط الدبلوماسي تجاه حزب الله، مع تركّز الأسئلة الداخلية والخارجية حول تعامل المقاومة في لبنان مع المرحلة المقبلة، وما إذا كانت ستوقف إطلاق النار جنوباً، أو تُخفّض منسوب عملياتها ونوعيتها.لم يعطِ حزب الله جواباً رسمياً على هذه الأسئلة، فيما موقفه ثابت عندَ نقطة واحدة: لا وقف لإطلاق النار جنوباً إلا بعد وقف الحرب على غزة. ووقف الحرب ليس كما يفسّره العدو الإسرائيلي، إنما وفقَ رؤية المقاومة في فلسطين التي يعتبر الحزب أنها هي المخوّلة بالإعلان عن ذلك وفق الترتيبات التي تناسبها. ما عدا ذلك، سيبقى الجنوب ساحة إسناد مفتوحة، على أن يراقب حزب الله مجريات الوضع في غزة وكيفية تعاطي المقاومة في فلسطين مع التطورات ليبني على الشيء مقتضاه.
هذه الثابتة دفعت بالولايات المتحدة، عبر موفدها عاموس هوكشتين، إلى محاولة البحث عن «مخرج يمنع تدحرج الأمور صوب حرب شاملة»، وطرح «حل وسط» لخفض التصعيد، عبر حصر المقاومة في لبنان عملياتها في منطقة محدودة ومتنازع عليها كمزارع شبعا، على أن يتوقف القتال على طول الحدود الممتدّة من الغجر حتى رأس الناقورة!
وكشفت مصادر مطّلعة لـ«الأخبار» أن «هوكشتين نقل خلال زيارته الأخيرة لبيروت قبل أسبوعين أن إسرائيل ستنهي خلال أسابيع العمليات الكبيرة في غزة، حيث ستعيد نشر قواتها وتوقف الأعمال الحربية الكبيرة». وأشار إلى أن إدارة بلاده تعمل على إحياء مشروع الاتفاق مع حماس، رغم أن الضغط المصري والقطري لم ينتج تجاوباً من قبل المقاومة الفلسطينية.
وفي اجتماعه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، قال هوكشتين: «نعرف أن الجبهة اللبنانية مرتبطة بالحرب في غزة، ولا مجال لأي ترتيب سياسي على الحدود قبل انتهاء الحرب هناك». وعليه، تناول المبعوث الأميركي النقاط التالية:
أولاً، أن يقدّم حزب الله، بحكم تحالفه مع حماس وعلاقاته القوية معها، المساعدة في العمل على وقف الحرب بإقناعها بالقبول بمبادرة الرئيس جو بايدن، بناءً على تعهد شخصي من الأخير في حال وقف إطلاق النار، بعدم عودة إلى الحرب.
ثانياً، في حال لم يكُن حزب الله في وارد التواصل مع حماس، فلماذا يريد إبقاء الجبهة اللبنانية مفتوحة في حال قررت إسرائيل وقف العمليات الكبيرة؟
ثالثاً، لفت هوكشتين إلى أن إسرائيل «تواجه أزمة كبيرة بسبب نزوح 100 ألف مستوطن، ولا أحد يمكنه منعها من القيام بأي عمل عسكري ضد لبنان، رغم أننا نرفض ذلك».
وسأل الموفد الأميركي: «ماذا لو قبل معنا الحزب بأن يعود، عندما تتوقف العمليات الكبيرة في غزة، إلى القتال الذي بدأه يوم 8 أكتوبر. أي أن يحصر المواجهة في مزارع شبعا المحتلة. وعندها يكون هناك وقف لإطلاق النار على طول الحدود، بما يسمح للنازحين اللبنانيين بالعودة إلى منازلهم وللمستوطنين بالعودة إلى قراهم في شمال إسرائيل، وبعدها نبحث في الترتيبات المناسبة لإدارة الوضع في الجنوب». وأكّد أن «الولايات المتحدة معنية بالمساعدة على تنشيط الاقتصاد المحلي في الجنوب وهي مستعدّة للدعم في حال تجاوب الحزب وأوقف إطلاق النار».
وردّ بري بأن «وقف العمليات الكبيرة في غزة، لا يعني وقف الحرب. وبالتالي فإن الجبهة هنا لن تتوقف ما لم يتوقف العدوان بصورة كاملة وتنسحب قوات الاحتلال من غزة، وتعلن المقاومة في فلسطين حصول وقف إطلاق النار». وأضاف: «لا أعتقد أن حزب الله في وارد البحث مع حماس حول ما تقوم به في إدارة المعركة ميدانياً أو إدارة المفاوضات سياسياً».
يصعب الوصول إلى بعض المستوطنات لتقدير حجم الأضرار التي لحقت بها


وقبل أيام من الانتقال إلى المرحلة الثالثة، أعاد هوكشتين تحريك اتصالاته من باريس حيث يلتقي اليوم الموفد الفرنسي جان إيف لودريان للبحث في الشأن اللبناني. وترتبط هذه الزيارة أولاً بالمساعي لمنع تدهور الوضع على الحدود بين لبنان وإسرائيل، وتلكَ التي تشارك فيها فرنسا بشأن انتخاب رئيس جديد للبنان. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مصادر مطّلعة أن «هوكشتين سيلتقي كذلك مستشاراً في الخلية الدبلوماسية في قصر الإليزيه».
ويأتي هذا الحراك، في موازاة آخر تتولّاه جهات عربية وأوروبية في اتجاه لبنان، من بينها ألمانيا التي أوفدت السبت الماضي نائب مدير المخابرات إلى الضاحية الجنوبية، حيث التقى نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، وبحثا في ما يمكن فعله لتفادي الحرب الشاملة، فيما يُنتظر أن يركّز الموفد القطري «أبو فهد» الذي يُتوقّع أن يزور بيروت قريباً على الوضع في الجنوب وإمكان ملاقاة خفض وتيرة الحرب في غزة بتهدئة على الجبهة الجنوبية، علماً أن لا معطيات مؤكّدة حيال نجاح هذه المحاولات، في وقت تصر إسرائيل على منطقة عازلة بعمق بين 8 و10 كيلومترات تُفرض بالقوة أو بالحل الدبلوماسي، بينما لا تجد المقاومة نفسها مضطرة أو مأزومة للقبول بهذا الواقع.
كذلك أفادت معلومات عن احتمال زيارة وفد أمني مصري لبيروت لعقد اجتماعات خاصة مع حزب الله.